حرب على "داعش" ... ومراسم دفن "الربيع العربي"

قبل 13 عاماً نفذ تنظيم القاعدة اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، وشنت بعدها أميركا حرباً ضروساً في أفغانستان للقضاء على القاعدة، واليوم وبعد كل هذه السنوات لم ينته التنظيم وما يزال قادراً على الحشد والتوسع والاستقطاب.اضافة اعلان
وبذرائع متشابهة وبعدها بوقت قصير أشعلت أميركا ايضاً مع حلفائها الذين يزينون المشهد حرباً أخرى لإسقاط "الديكتاتور" صدام حسين، ونجحت بإزاحته عن السلطة، وصنعت سلطة جديدة انتجت عشرات الديكتاتوريين، وبدل أن يرفل العراق بالأمن، والرفاه، والتنمية، ما يزال حتى الآن رغم مرور أكثر من عشر سنوات يعايش كل ويلات القتل، والطائفية، والتقسيم، والفقر، والفساد.
تراءت لي هذه المشاهد والسيناريوهات وأميركا تدشن التحالف الدولي للحرب على تنظيم "داعش"، فمن يصدق أن جيوشاً وترسانات من 40 دولة بأجهزة مخابراتها مطلوب منها أن تلاحق وتتصدى لتنظيم "داعش" في العراق، وربما سورية، والذي لا يزيد عدد أعضائه عن 30 ألفا بأقصى التقديرات الأميركية؟
أنا وكثيرون مثلي في الأردن والعالم العربي يعارضون "داعش" وكل التنظيمات الإرهابية، ويحلمون بدولة مدنية علمانية، ولكننا لن نؤيد حرباً ستدفع ثمنها الشعوب، فهم الضحايا أولاً وأخيراً، والحرب ستصنع من هؤلاء أبطالاً في نظر الكثير من البسطاء الذين ينظرون لحشد كل الدول في مواجهتهم، وفي نهاية الأمر وبعد أشهر أو سنوات لن ينتهي تنظيم "داعش" ولا جبهة النصرة، فهذه الحروب تخلق تعاطفاً معهم، وتمنحهم أنصاراً، فالطائرات والدبابات لا تنهي ولا تجتث أفكاراً وأيدولوجيات.
الحرب والضربات الجوية ستنهك "داعش"، وتضعفه، وستحد من قدرته على السيطرة وعلى التمدد، وستتمكن قوات الجيش العراقي و"الباشمركة" من استعادة الأراضي التي سيطر عليها "داعش" بلمح البصر، ولكنهم لن ينتهوا وسيختفون بين الناس، وسيبقون قنبلة قد تنفجر في أي لحظة.
مشهد المواجهة في العراق قد يكون أقل درامية من الوضع السوري، فالمواجهة على الأراضي العراقية مكشوفة، وقواعد اللعب معطياتها محددة، والسؤال الإشكالي الذي لا يملك التحالف الدولي إجابة عنه هو كيف سيلاحقونهم في سورية، وهل تكفي الضربات الجوية للقضاء عليهم، فهم الشريان الذي يغذي "داعش" في العراق؟
في سورية خريطة التحالف مربكة، فنظام الأسد الذي يتطوع اليوم لإعلان استعداده للحرب على الإرهاب كان يغض النظر عن "داعش"، ويستخدمهم بيدقاً في الصراع وضرب قوى المعارضة الأخرى.
والان تأتي الحرب الكونية على "داعش" إما طوق نجاة له لتعيد تأهيله، أو لبناء صفقة بديلة مع أركان السلطة لا تُعرف تفاصيلها، أو تكون "داعش" مقدمة وغطاء لإنهاء النظام ووضع حد له ونهاية للملف السوري، وهذا أمر شائك وصعب ولا يمكن تنفيذه بقرار أو جرة قلم.
النتيجة المباشرة للحرب على "داعش" هي عودة أميركا الى العراق بقوة، وتيقن القادة العراقيين أنهم لن يتمكنوا حتى من حماية أنفسهم دون مظلة أميركية وغربية، وهي نفس الرسالة لكل الأنظمة العربية وتحديداً الخليجية.
في المحصلة سنعود إلى دوامة الحرب على الإرهاب، وسنعيش كابوس الاقتتال، والتقسيم، وسيبقى العالم العربي تحت وطأة هذا الهاجس، وخلاله سيتعمق النهج الأمني، وتسود الانتهاكات لحقوق الإنسان تحت حجة حماية الأمن الوطني، وبهذا وعلى وقع قصف الطائرات الغربية لتنظيم "داعش" وأتباعهم في العراق وسورية، وانشغال الجميع يكون "الربيع العربي" قد انتهت مراسم دفنه.
الذين يخططون لعالمنا لا يريدون أن يصغوا أو يسمعوا أن تفريخ الإرهاب صنع بأيديهم، حين صنعوا أو سكتوا أو تواطؤوا عمّا وصلنا إليه، ووقفوا يشاهدون سيادة الظلم وغياب العدالة والتنمية، واستبداد الطغاة، وبقاء إسرائيل دولة فوق القانون.