حرب لا يجب أن تتوقف!

بعد إعلانات متكررة عن التوصل إلى هدنة توقف العمليات العسكرية في منطقة وادي بردى، فتسمح بإصلاح الأضرار واستئناف ضخ المياه إلى العاصمة دمشق؛ تم حسم الموضوع أخيراً بقتل رئيس الوفد المفاوض عن نظام بشار الأسد، في ظروف وُصفت بـ"الغامضة". ويبدو منطقياً تماماً ترجيح وقوف مليشيات حزب الله (أي إيران) خلف عملية القتل؛ لأن الهدف ليس أبداً تأمين مصدر المياه التي لم تنقطع منذ سيطرة المعارضة على المنطقة، بل هو استكمال المشروع الإيراني للتغيير الديمغرافي في سورية، ولا سيما في المناطق المهمة لحزب الله، و"سورية المفيدة" ككل.اضافة اعلان
وإذا كان هذا الأمر يكشف من ناحية أولى، وكما أشرنا سابقاً، عن أن أي تعارض بين موسكو وطهران ستتم تسويته دوماً لصالح الأخيرة، باعتبارها الخيار الوحيد المتاح –على المدى القصير على الأقل- للكرملين، لتأمين "نصر" في سورية يتم توظيفه في ما هو أبعد منها؛ فإن هكذا تعارض يحمل في الوقت ذاته الدلائل على أن الحرب في سورية ستستمر بعوامل دفع ذاتية أيضاً لمرحلة ما، بل وقابليتها للتجدد، وفق أفضل التصورات، طالما بقيت الأجندة الإيرانية-الروسية، أو حتى الأجندتان الروسية والإيرانية على حالهما.
طبعاً، يبدو العالم منشغلاً بمصير "جبهة فتح الشام" ("النصرة" سابقاً) في خضم أي تسوية سياسية مأمولة؛ بسبب تداخل كثير من مناطق وجود الجبهة المصنفة إرهابية بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، مع أماكن سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة. ويضاف إلى ذلك طبعاً تعدد هذه الفصائل؛ حجماً ومرجعية وأداء. في المقابل، لا يكاد أحد يشير إلى ظاهرة يُفترض أن تكون مماثلة في الخطورة على صعيد الرغبة في الوصول إلى تسوية سياسية، حتى وفق المنظور الإيراني الطائفي! وهي الظاهرة المتمثلة بنشوء أمراء حرب أيضاً في مناطق سيطرة نظام الأسد، يعتاشون بحكم التعريف على الحرب ذاتها، بدءاً من استغلال شح المواد الغذائية الأساسية، وليس انتهاء بعمليات الخطف للحصول على فدية، إضافة إلى الأتاوات وعمليات السلب المنظم للبيوت والمحال التجارية.
لكن الأخطر، وكما تؤكد تجربة "عراق نوري المالكي-إيران"، هو أن أمراء الحرب هؤلاء –كما تنظيم "داعش" أو بقاياه- سيظلون أداة مهمة جداً في المشروع الإيراني في سورية أيضاً، بخلاف الحديث عن إمكانية نشوء صراع عميق بين مليشيات الأسد على الغنائم، يهدد النفوذ الإيراني. إذ إن هؤلاء أساساً من يضمنون بشكل مستدام عدم الاستقرار، والذي يسمح بدوره، ووحده، باستمرار الوجود العسكري الإيراني بحكم حماية مناطق الأسد المستهدفة، ومن ثم الاستمرار في تنفيذ التغيير الديمغرافي على نحو ما تم فعلاً في العراق قبل "داعش" بسنوات، وبعده بالتأكيد.
طبعاً، نعرف أن هذه أخبار جيدة لـ"عروبيي طهران" و"يساريي الولي الفقيه"؛ فالنصر بالنسبة لهم كان دوماً بقاء بشار الأسد بمسمى رئيس جمهورية، بغض النظر عن كل ثمن؛ بالاحتلال والمرتزقة وحتى التطبيع عبر وسيط. لكن الوصفة الإيرانية –مرة أخرى، المجربة في العراق بشكل لا يحتمل التأويل والتشكيك- ذات أبعاد مدمرة إقليمياً، وليس سورياً فقط. فـ"داعش"، كما يعرف الجميع بمن فيهم أتباع إيران العرب، نشأ بفضل السياسات الإيرانية في العراق أساساً، ثم سورية، وليس العكس أبداً.