حرج مستورد من لندن وأوتاوا

أحرجنا عمدة لندن الجديد صادق خان، مرتين منذ مطلع الشهر الحالي. الأولى، عندما فاز في الانتخابات كمرشح عن حزب العمال البريطاني، متقدما على منافسه زاك غولدسميث من حزب المحافظين. والثانية، عندما وقف ينتظر لدقائق مع باقي المواطنين الإنجليز حتى تصل الحافلة، فلا سيارات فارهة ولا مرافقين. فيما في أغلب بلادنا العربية ليس هناك انتخابات لعمدة العاصمة ولا لغيره، كما لا يقف مسؤول بحجم العمدة خان -أو حتى أقل منه- على قارعة الطريق لينتظر وسائل النقل العام. وللتذكير أيضا، ليس لدينا، في أغلب المدن العربية، وسائل نقل عام حقيقية.اضافة اعلان
أما الحرج الأكبر فجاء من أوتاوا عاصمة كندا؛ عندما تابع الجمهور العربي، الأسبوع الماضي، "فيديو" مواجهة اقتصادية ممتعة ومفيدة بين زعيمة المعارضة في البرلمان ورئيس الوزراء الكندي؛ مواجهة انطوت على ذكاء اقتصادي، حاولت من خلالها زعيمة المعارضة أن تبين للرأي العام مخاطر إنفاق حكومة بلادها لنحو 5 مليارات دولار في شهر واحد، ومحاولات هدر فائض الموازنة، وتفكيك جوهر ما ذهبت إليه الحكومة من أن الموازنة "معتدلة". والأكثر أهمية، تكرار هذه البرلمانية الفذة أن الأموال التي أنفقت تعود للكنديين، وليست حقا شخصيا لرئيس الوزراء.
مذهلة كانت زعيمة المعارضة. لكن رئيس الوزراء الشاب كان مقنعا أيضا، عندما تحدث بوضوح عن سياساته وقراراته بدعم الطبقة الوسطى وحرصه على هذه الطبقة، علاوة على تقديم الامتيازات المالية للمحاربين القدامى، وتخفيض الضرائب على الفقراء في مقابل زيادتها على الأغنياء بنسبة واحد في المائة. كما بدا مقنعا من خلال مقارنة ما فعله في الأشهر الماضية بالنتائج التي آلت إليه من سلفه في المنصب.
الحكومة الكندية والمعارضة كانتا على سوية اقتصادية عالية في التنظير والتطبيق، وتحدثتا أيضا بنبض الشعب الكندي ومصلحته، فهو البوصلة للبرلمان والحكومة ومخرجات النشاط الاقتصادي. والحوار الذي لم يزد على بضع دقائق بين رئيس الوزراء وزعيمة المعارضة -وتخلله تصفيق وابتسامات وتحضر ورقي- تم بعيدا عن السباب والضرب أو استخدام الرصاص الحي. وهو حوار لا خداع فيه؛ جمل مفيدة تكشف كيف يفكر كل طرف، تم إلقاؤها باقتضاب ومن دون مبالغات لغوية أو شخصية.
أمام هذه النماذج الخارجية الكبيرة في الاقتصاد والنزاهة ومضامين العمل العام، تبدو الصورة معاكسة لدينا. ويلمس المراقب لأداء بعض أعضاء مجلس النواب الأردني محاولات مخادعة. إذ تعلو اليوم أصوات الانتقاد من هؤلاء لرئيس الوزراء د. عبدالله النسور قبيل رحيل مرتقب للحكومة، وهم أنفسهم الذين منحوا ثقتهم في السابق للحكومة، بعيدا عن البرامجية والرؤية الاقتصادية. وهدف هذه المحاولات أن يستعطف هؤلاء النواب الشارع الأردني قبل الانتخابات المقبلة، فيما المشهد بكل تفاصيله يشير إلى ضعف وارتجال، من غير صلة بوجع الناس وصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يواجهها الأردنيون منفردين بعيدا عن النخبة.
بمناسبة الحديث عن الطبقة الوسطى، ما الذي جرى لها خلال السنوات الخمس الأخيرة؟ نحتاج إلى مناظرة بهذا الخصوص، لكن على الطريقة الأوروبية!