حروب التكنولوجيا والاقتصاد

د.محمد حسين المومني من يتابع ما يجري في أوكرانيا يدرك تماما حجم التغيير الكبير الذي طغى على مفهوم الحرب في الزمان الذي نعيش فيه. لم تعد الدبابات والطائرات والصواريخ العابرة للقارات الا احد مؤشرات الانتصار بالحروب وقوة الدول. تلك لم تعد عناصر القوة الرئيسية للدول بل التطور التكنولوجي التقني، والقدرة على خوض الحروب السيبرانية، وانواع الحصار الاقتصادي والتكنولوجي المختلفة والقدرة على خوضها وتحملها. تلك هي العناصر الاهم في مقياس قوة الدول وتوقعات تفوقها. من ينظر لما يجري في اوكرانيا بعقلية وفهم القرن الماضي، سوف يتنبأ بلا تردد ان روسيا سوف تنتصر وتسحق اوكرانيا، لكن من يرى تطور صناعة الحروب، يدرك ان هذا ليس بالضرورة الاستنتاج الاسلم، فروسيا تلقت ضربة قوية بنظام عقوبات سوف يفاقم معاناتها الاقتصادية ويثيرها من الداخل، وهي تتعرض لهجمات سيبرانية ستجعل من جحافل جيوشها عديمة الجدوى، وتتعرض لحصار تكنولوجي سوف يجعلها تبتعد عن مصاف الدول المتقدمة. النظر لحرب الطائرات المسيرة وتكنولوجيا ذلك وحده كاف ليجعلنا نرى الفرق الكبير بالقوة بين روسيا والغرب، ويجعلنا نرى ايضا كم ان التكنولوجيا والتفوق بها هي من ستقرر الانتصار في اي مواجهة بين الدول. اخطأت روسيا حساباتها، ودخلت في مواجهة مع الغرب لن تقوى عليها، وباتت الآن في موقع استراتيجي مكن الغرب من محاصرتها ومعاقبتها، يؤخر من تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي وبالتالي يضعف قوتها. ارتكبت خطأ تاريخيا وانجرت لميدان معركة لا قبل لها به، انفعلت وتدفع الثمن، ومن تجارب سابقة، فالعقوبات لن ترفع الا بعد ان تستنزف روسيا حتى لو انسحبت غدا من اوكرانيا. اخفقت في تطويع اوكرانيا سياسيا، وفلتت الاخيرة من قبضتها وباتت عدوة لدود. حتى لو احتلت روسيا اوكرانيا – وهو ما لا تريده بحسب الاعمال الميدانية العسكرية – ووضعت حكومة موالية، ستبقى العقوبات وسيبقى جل الشعب الاوكراني يمقتها ويقاومها. أوكرانيا ايضا اخطأت وتتحمل نصيبا من خطيئة ما حدث، راهقت سياسيا وغادرت موقع الحياد الذي كان سببا في امنها واستقرارها. عاندت روسيا بغير حكمة وكان الأحرى والاحكم ان تنحني للعاصفة. سلوكها السياسي يفسر كثيرا من سلوكيات الغرب المتردد بالتدخل والمكتفي بتقديم الدعم. لسان حال الغرب يقول: اننا ندعمكم وأنتم حلفاء ولكن عليكم تحمل مسؤولية قراراتكم. لم يكن الغرب بالضرورة سيوافق على دخول اوكرانيا للناتو او الاتحاد الاوروبي، الا اذا شعر ان ابعاد ذاك الدخول آمنة سياسيا واستراتيجيا. ما يحدث كبير ومهم بكل معنى الكلمة من زاوية فهم بناء وسلوك العلاقات الدولية. العالم لم يكن يوما أحادي القطبية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة كما يعتقد البعض، لقد كان وما يزال متعدد القطبية. ما يحدث في العالم الآن يمكن ان يفهم انه نتاج لقرار الدولة الاكبر والاقوى في العالم ان تقود من الخلف، وألا تكون شرطي العالم فعلا وقولا. هذا يعني الكثير لدول العالم التي لا بد ان تدرك ان عليها القيام بواجباتها للحفاظ على مصالحها وان التحالف مع الولايات المتحدة مهم ولكنه لا يعني الارتكان عليها فهي دولة لها حساباتها الخارجية وتفاعلاتها الداخلية ايضا. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان