حرية الإعلام ومهنيته مصلحة وطنية

في كل عام نكرر الكلام نفسه حول واقع الحريات الإعلامية وأداء الإعلام في الأردن، وما نزال ندور في الدائرة نفسها؛ خطوة الى الامام خطوة الى الخلف، على الرغم مما تأتي به التقارير الدولية كل عام، وآخرها التقارير الأخيرة التي تتحدث عن المزيد من التراجع. كل ذلك يدفع نحو منظور جديد لتناول حرية الإعلام يقرن بالحاجة الى المزيد من المهنية وتطوير قدرة المجتمع الإعلامي الأردني على التنظيم الذاتي، والتمأسس الرسمي والمدني على مبدأ راسخ هو ان حرية الإعلام ومهنيته مصلحة وطنية حقيقية. اضافة اعلان
لقد مضى زمن طويل على تقاسم الأدوار بين فئة ممن يدافعون عن حرية الإعلام وبين من يمنعونها. هذا التقاسم خدم اجندة غامضة في السياسة والاقتصاد وزاد من هشاشة المجتمع ومن تراجع العدالة والشعور بالإنصاف حينما تراجع دور الإعلام في لعب دور الضمير العام، وتراجع في حماية حق المجتمع في المعرفة والوصول الى المعلومات العامة.
اليوم، هناك إمكانيات وفرص متعددة للتغيير؛  فالدولة لم تعد تخدمها تلك المعادلة، وهناك بدايات ترصد مؤشراتها الأولية؛ منها مبادرات ومشاريع إعلامية جديدة وبداية تغير في النخب الإعلامية الرسمية نحو نخب أكثر إدراكا لقيم الحرية والمهنية في خدمة المصلحة الوطنية وأكثر قدرة على تقديم تعريف أكثر وضوحا وموضوعية للمصحلة الوطنية ذاتها. في المقابل، أثبتت انتخابات نقابة الصحفيين الأردنيين الأخيرة رغبة عميقة في المجتمع الإعلامي في التغيير.
لا توجد مرحلة في تاريخ الأردن المعاصر تبرز فيها الحاجة لإصلاح الإعلام وصيانة حرياته مثل هذه المرحلة. صحيح أن إصلاح الحريات مطلب في كل وقت، لكن من منظور المصلحة الوطنية، وفي ضوء حساسيات الإصلاح السياسي في الأردن، تبدو هذه اللحظة ملائمة لاتخاذ خطوات جادة في ملف الإعلام قبل غيره. ويمكن رصد مجموعة من الاعتبارات غير التقليدية لهذه الضرورة، منها؛ أولا، أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع، والتي تعمقت خلال آخر خمس سنوات، وجعلت السلطات والمؤسسات والمجتمعات المحلية والجماعات تتحدث كل منها وحدها. وهي الأزمة التي هشمت الجسور بين الدولة بسلطاتها الثلاث وبين المجتمع. في إصلاح الإعلام وإعادة الاعتبار للحرية الصحفية، توجد فرصة حقيقية لجسر هذه الفجوة. ثانيا، إعادة الاعتبار لمسار الإصلاح السياسي الذي يراوح  مكانه منذ سنوات طويلة. إذ توفر فرص إصلاح الإعلام إمكانية للتقدم خطوة في ملف الإصلاح من دون كلف كبيرة، كما قد يبدو في ملفات خلافية أخرى. ثالثا، ترميم مكانة الأردن دوليا، وهي المكانة الآخذة في التراجع نتيجة تراجع القدرات التنافسية، وتراخي مسار الإصلاح السياسي. والأردن يشتبك دوليا مع التفاصيل وليس العناوين، نتيجة حجم الانفتاح والاعتماد على العالم.
وهنا، علينا الادراك أن مسار تنمية حرية الإعلام لا يتحقق بدون مسارات اخرى هي تنمية المهنية وتطوير قدرات المجتمع الإعلامي على التنظيم الذاتي، وهذه مسارات يمكن ان تسهم الدولة بالدفع بها الى الامام من خلال الدور التنظيمي حينما تكون الانظمة والتعليمات وشروط الترخيص والاعتماد إصلاحية فانها تخدم هذه المسارات مجتمعة بما فيها الحريات.
علينا أن نراجع الأثمان التي تدفعها الدولة والمجتمع جراء تراجع حرية الإعلام. وعلينا أن نعي تماما أن الحرية الإعلامية في بيئة معافاة، تُعلّم المسؤولية والالتزام، وليس الابتزاز، كما تعمق الأمن والسلم الاجتماعي، ويجب أن تكون الحصاد الحقيقي للاستقرار.