حرية الصحافة.. لا حياة لمن تنادي

سجل الأردن تراجعا في مؤشر حرية الإعلام الذي تطلقه مؤسسة مراسلون بلا حدود في فرنسا، ولم نسمع تعليقات حكومية عن هذه النتيجة، في حين ما زلت اتذكر احتفاءهم قبل سنوات حين تقدموا درجة واحدة. مؤشرات حرية الإعلام والديمقراطية التي تنجز وطنياً، أو دولياً مهمة لمعرفة الواقع والتحديات ورؤية العالم لنا، لكن الأهم باعتقادي جدية الدولة وإيمانها بأهمية الديمقراطية وحقوق الإنسان والإعلام لها ولمجتمعها. أكثر من مؤشر دولي صدر في العالم خلال وقت قريب وكلها تصف الأردن بانها دولة غير حرة، وذهب مؤشر الإيكونيميست لاعتبارنا دولة مستبدة، كل هذا يحدث والملك يوعز لحكومته ان تمضي في طريق الإصلاح السياسي. منذ عودة الحياة البرلمانية في الأردن العام 1989 والإعلام يواجه تحديات متماثلة، تختلف بين حين وآخر قليلا، وعنوانها ان الدولة لا تؤمن بحرية الإعلام واستقلاليته، ولا تقبل إعلاماً يراقبها ويسائلها، ولهذا لا توجد إرادة سياسية ناجزة لدعم الإعلام للنهوض من كبوته، والدليل انه يترك في الازمات وحيدا لا يجد ما يقوله فحرقت آخر سفنه مع الجمهور. تفكر الحكومات المتعاقبة في إعلام يصفق لها ولا ينتقدها، وتضيق ذرعا إذا حاولت الصحافة كشف أخطائها، وظلت طوال العقود الماضية تمارس لعبة الاحتواء معه، وتستخدم سياسة العصا والجزرة. نتذيل مؤشر مراسلون بلا حدود، ومع ذلك ما زلنا نصر على تكبيل الإعلام وحرية التعبير، فنرسل مسودة لمشروع النزاهة ومكافحة الفساد تضيف قيودا جديدة على حرية الكلام والنشر، عوضا عن حماية الافصاح عن أية معلومات يمكن أن تكشف فساداً محتملاً. ذات العقلية تحكم العلاقة مع الصحافة، وتتلخص في استخدام التشريع كأداة للتقييد، وتحفل القوانين المختلفة بعشرات النصوص التي تجرم الصحفيين والصحفيات، متعارضة مع الضمانات الدستورية والمعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها الأردن، ويكفي ان نشير الى ظاهرة التوقيف كعقوبة مسبقة للإعلاميين، وقد تحولت لظاهرة عامة، وليس تدبيرا استثنائيا. الازمة تتعدى التشريعات التي تحولت لمصيدة للصحفيين عبر مواد قانونية فضفاضة وغير منضبطة، الى غياب السياسات الحكومية الحصيفة الداعمة للإعلام، فأخر استراتيجية اعدت كانت في العام 2011 في الربيع العربي، وانتهت دون ان تحقق اهدافها، بل في بعض التوجهات عدنا إلى الخلف در. مراقبة وقراءة البيانات الوزارية يظهر هزالة الخطاب الذي يريد الاهتمام في الإعلام، فهو خطاب عام، لا يشخص المشكلة بعناية، ولا يضع تصورات لحلول في سياق زمني ومؤشرات قياس منضبطة. مرت ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من أيار والحكومة لم تقدم مبادرة لانتشال الصحافة التي تغرق وتحتضر، ففي العالم الديمقراطي الصحافة ليست ترفا، بل حقا للمجتمع لضمان إعلام متنوع يوصل المعلومات والحقيقة له حتى يشارك في صنع القرار، واستنادا لهذا الفهم أسسوا صناديق لدعم الإعلام المستقل تعتمد معايير مهنية معلنة وشفافة تساعد على استمرارها وجودة محتواها. خريطة الطريق لتعافي الصحافة وضمان حريتها واضحة وليست لغزا، ولكن لا حياة لمن تنادي.اضافة اعلان