حرية الكاريكاتير

الاحتجاج على رسام الكاريكاتير عماد حَجّاج لا يليق في ظني بدعاة الدولة المدنية، ولعل أغلبه ردة فعلٍ أساسها قضية ناهض حتر، ومن حيث أني والكثيرين قد أدنَّـا وندين ما حصل لـناهض حتر، وفخورون بقضائنا العادل الشريف الحضاري الذي أوقع بالقاتل القصاص الذي يستحقه أقول: القرآن الكريم ذكر السيد المسيح عليه السلام أكثر مما ذكر النبي محمد عليه السلام، وأن السيدة الوحيدة المذكورة باسمها في القرآن هي السيدة مريم، وقد ورد في القرآن الكريم في خلق السيد المسيح (فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)، كما ورد في القرآن الكريم على لسان السيد المسيح ومصدقاً لقوله (السلام علي يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أبعث حياً)، وبهذا فإن الحقيقة الإسلامية الواضحة تقوم على أساس أن من إيمان المسلم الإيمان بالمسيح وتبجيله واحترامه وتقديسه بموجب آيات القرآن الكريم ذاتها، وهذا أمر يكاد يكون من القضايا القليلة التي يُجمِع عليها المسلمون. اضافة اعلان
والمسيحية في أغلب طوائفها صورت السيد المسيح في أشكال وصور مختلفة فقد رسمته أبيض البشرة وأحياناً أسمر البشرة؛ وكل ذلك كان تقرباً منه باعتباره مخلصهم، كما كتبت على لسان السيد المسيح العبر والكلمات وطبعاً آيات من الإنجيل. وليس لي أن أحصي الفن العريق في كنائس الفاتيكان لدافنشي وغيره من الفنانين والنحاتين الذين صوروا المسيح عليه السلام وجسدوه في منحوتات غاية في الروعة والفن، ولا ننسى الأيقونات التي صارت فناً "دينيا" معترفاً به؛ لا بل إن السيد المسيح والرموز المسيحية عموماً  أُستخدِمت في كثير من الأحيان  -ونتيجة لاتساع مساحة الحرية في البلاد المسيحية الغربية- استخداماً لا يليق بها وهو أمر لم يحصل في الشرق عموماً.
والصراحة أن الاحتجاج على كاريكاتير حَجّاج مقاربة مغلوطة وغير موفقة وخطيرة، فهي إسهام في إقحام الدين للتضييق على حرية الرأي والتعبير، وفي ظني أن السيد المسيح الناصري الفلسطيني ينكر على أي شخص أن يبيع أرض فلسطين لليهود وهو القائل: "إنما بعثت لأهدي خراف بني إسرائيل الضالة". إن موقف المسيحيين من الصهيونية والعدوان الصهيوني على فلسطين هو موقف مشرف؛ يتشرف به العرب والمسلمون وليس فقط على مستوى الأفراد المسيحيين العرب والفلسطينيين؛ بل على مستوى رجال الدين المسيحي؛ فهذا المطران كابوتشي الذي اشترك في النضال العسكري ضد الصهيونية، وهذا المناضل الفذ أبونا المطران عطاالله حنَا الذي يدافع عن الأقصى كدفاعه عن كنيسة القيامة.
وثانياً أن هذه مقاربة تكرس تقسيم الشعب الأردني لمسيحيين ومسلمين، وهو أمر نحاربه في الدولة المدنية التي تعترف بالمواطنين فقط، بغض النظر عن دياناتهم فنحن أردنيون، وهكذا يجب أن نتعامل مع بَعضِنا البعض ومع قضايا الوطن كمواطنين وليس كمتدينين؛ فالدين دين الفرد والمجتمع للمواطنين.
وأخيرا فإن من حق الفن والأدب أن يطلق الكَلِم القارس والنقد اللاذع للمجتمع ولرجال الدين والسياسة، ولا يجوز لنا أن نحجر على الفنانين وعلى عقولهم ونمنع الأدب بحجة المقدس الذي هو غير مقدس مثل بيع الأوطان أو تكفير الناس أو بث الفُرقة بين المواطنيين على أساس ديني أو منع البهائيين من الاحتفال بشعائرهم.
فن الكاريكاتير فنٌ راقٍ، وهو لا يعمدُ للسخرية لذاتها، بل هو أداة  للوعي والثقافة، يرسل رسائل قصيرة من النقد اللاذع والتهكم والتحسر الذي قد يختصر الكثير من الكلام والنقاش والبحث، فهو فنٌ يقوم على أساس الموهبة النادرة الفذة والتمتع بحرية الرأي وإفتراض النزاهة في القصد وأعتقد أن الفنان الأردني حجّاج يتمتع بها جميعاً.
ولعمري أن الأنبياء جميعهم وعلى رأسهم نبينا محمد والسيد المسيح هم من أعرق دعاة الحرية، فلماذا نحارب الحرية برايتهم؟