حريق "خزانة الجاحظ"!

خبر محزن ومؤسف قرأناه في اليومين الماضيين عن حريق نشب في مكتبة خزانة الجاحظ في وسط البلد، وهي مكتبة معروفة وتاريخية، وكثير من القرّاء والمثقفين يعرفها، منذ عقود.اضافة اعلان
وفقاً للقائم على المكتبة هشام المعايطة فإنّ الحريق التهم قرابة 10 آلاف كتاب، منها كتب تعود لمائتي عام، ومخطوطات نادرة ترجع إلى فترة العهد العثماني في المنطقة العربية.
ربما هذا الحدث المحزن مناسبة لتعريف القارئ والرأي العام عموماً ببعض المعلومات عن هذه المكتبة التي تعدّ من معالم عمّان الثقافية، وقد تأسست في وسط البلد، بالقرب من المدرّج الروماني، بعد حرب الـ67، لكنّها كانت قبل ذلك موجودة في الكرك، ثم في القدس بجوار باب العامود، حتى العام 1967، أي احتلال الضفة الغربية، إذ نُقلت المكتبة بعدها إلى العاصمة عمّان.
مؤسس المكتبة هو خليل المعايطة، وكانت في البداية عبارة عن مخطوطات وكتب تراثية في مدينة الكرك، ثم التحق بجيش الثورة العربية الكبرى، والتقى به في منطقة القطرانة، حاملاً سلاحه ومعه مكتبته المتنقلة، بين بغداد ودمشق، وكان خلال تلك الفترة يقتني المخطوطات والكتب النادرة والتراثية، قبل أن يستقر به المقام في القدس في العشرينيات ويؤسس هناك خزانة الجاحظ في العام 1922.
في مرحلة لاحقة شارك مؤسسها خليل المعايطة في المعارك الدائرة مع العصابات الصهيونية، وقُتل في العام 1947، بينما شارك ابنه (وكان جندياً في الجيش العربي الأردني) في حرب الـ48، وأصيب بلغم أدى إلى بتر قدمه، وكانت العملية الجراحية في بيروت، فاستثمر وجوده هناك للاطلاع على التطوّر الكبير الذي حدث في صناعة الوراقة، المكتبات، وعاد بالأفكار الجديدة لتطوير "خزانة الجاحظ".
انتقلت المكتبة، بعد ذلك، إلى عمّان، وقامت بمهمة كبيرة في نشر ثقافة القراءة والكتب، في العقود الماضية، قبل أن تبدأ في مرحلة لاحقة في عقد السبعينيات والثمانينيات العديد من دور النشر والمكتبات تفتح، وتعزز نشر الكتب والثقافة بصورة كبيرة في الأردن.
يتعامل العديد من القرّاء مع خزانة الجاحظ بصورة مختلفة عن اعتبارها مكتبة تقليدية أو عادية، فهي متخصصة بالكتب التراثية والنادرة، وكانت تبيع الكتب المستعملة لفترة طويلة، وبإعارة الكتب مقابل مبالغ مالية قليلة، وباتت أشبه بمعلم من المعالم الثقافية المهمة في وسط العاصمة.
الجميل في الموضوع أنّ هنالك مبادرة أطلقها ناشطون من أجل دعم خزانة الجاحظ بالتبرع بقيمة كتاب واحد، وهي مبادرة رائعة، لكن المطلوب أن يتم تطويرها لتشمل ترميم المكتبة وتطويرها، وتوثيق مراحلها التاريخية، بصورة فنية جميلة، بوصفها قيمة تراثية وفنية وأدبية بحدّ ذاتها.
***
ربما تقودنا هذه الحادثة أيضاً إلى تزامنها مع حريق آخر أشعلته قرارات الحكومة في صناعة الكتب بأسرها، بفرض 10 % ضريبة المبيعات على الكتب ضمن حزمة الإجراءات التي قامت بها الحكومة! فهذه الصناعة تعاني أصلاً من مشكلات كبيرة في عالم اليوم، سواء على صعيد القدرة الشرائية للمواطنين، أو حتى انتشار الانترنت وتراجع قوة الكتاب الورقي، وتشير الأرقام التي قدّمها فتحي البس، من اتحاد الناشرين، أنّ هنالك خطاً بيانياً متراجعاً بصورة كبيرة في انتشار الكتب.
في مثل هذه الظروف فإنّ الضريبة الحالية بمثابة ضربة قاسية لهذه الصناعة، ولمشروع التنمية الثقافية بصورة عامة.