حزب الله فقد الأغلبية في البرلمان

لبناني يدلي بصوته في الانتخابات اللبنانية يوم الأحد الماضي.-(أرشيفية)
لبناني يدلي بصوته في الانتخابات اللبنانية يوم الأحد الماضي.-(أرشيفية)

هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

اضافة اعلان

"حزب الله وحلفاؤه تلقوا ضربة شديدة"، هذا كان أمس العنوان الذي نشرته معظم وسائل الاعلام في لبنان وفي العالم. هكذا فإن النتيجة النهائية للانتخابات التي جرت في يوم الاحد تدل على أن "كتلة حزب الله" التي تتكون من ممثلي حركة أمل وحزب الله والحزب المسيحي "التيار الوطني الحر"، فقدت الاغلبية التي كانت لها في البرلمان، والكتلة التي كانت تعد 71 عضوا انخفضت واصبحت 61 عضوا. ولكن فحص نتائج الانتخابات فقط حسب "اختبار حزب الله" يطمس جزءا من الانجازات الاخرى للحملة الانتخابية.
هذه هي المرة الاولى التي فيها قوى مدنية مستقلة، التي تنافست ضد احزاب تقليدية راسخة، تحصل على دعم واسع من الجمهور اعطاها 14 مقعدا. اغلبية مرشحي هذه الحركات التي تسمى "قوة التغيير" جاءت على خلفية خيبة الامل والاحباط واليأس من الوضع الاقتصادي في لبنان ومن الفساد وعدم أداء الحكومة. العصيان المدني واحتجاج الجمهور حصل في هذه المرة على ثمار سياسية جيدة، ليس فقط قضمت هوامش "احزاب النخبة"، بل قوتها يمكن أن تشكل كفة الميزان في أي حكومة سيتم تشكيلها.
الانجاز اكبر من ذلك، اذا اخذنا في الحسبان نسبة التصويت المنخفضة، 41 %، التي تدل اكثر من أي شيء آخر على عدم الثقة العميق بالعملية الانتخابية في لبنان، وقدرة الجمهور على تغيير المبنى السياسي. نجاح المستقلين يمكن أن يجند الى جانبهم ناخبين اكثر في الانتخابات المستقبلة، وبذلك يمكنهم تأسيس نظام سياسي جديد في دولة أي تغيير فيها يعتبر حتى الآن مستحيلا. حتى ذلك الحين هم ايضا سيضطرون الى الاندماج في المطحنة السياسية اذا كانوا يريدون البقاء على قيد الحياة.
الى جانب المستقلين، سجل ايضا حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، انتصار مهما عندما فاز بعشرين مقعدا. هكذا تحول الى الحزب المسيحي الاكبر الذي حل من حيث حجمه محل التيار الوطني الحر، حليف حزب الله، برئاسة جبران باسيل صهر الرئيس ميشيل عون الذي اسسه. الزعيم الدرزي وليد جنبلاط يمكنه ايضا الاحتفال بعد فوز حزبه بجميع المقاعد المخصصة للدروز في البرلمان، خاصة الاحتفال بهزيمة خصمه طلال ارسلان ووئام وهاب، الذين هم حلفاء حزب الله.
لكن خريطة القوى السياسية الجديدة لا تعطي افضلية مطلقة لأي كتلة، ويمكن ألا تكفي لإنقاذ لبنان من ازمته. في ظل عدم وجود اغلبية لأي كتلة، حيث إن كتلة المستقلين غير كبيرة بما فيه الكفاية وغير موحدة، فمن المتوقع أن يعود لبنان الى فترة الشلل السياسي الذي ميزه بين الاعوام 2009 – 2018. في تلك الفترة لم ينجح لبنان في انتخاب رئيس مدة سنتين بسبب الخلافات السياسية الكبيرة، وبالتحديد عندما كان حزب المستقبل برئاسة سعد الحريري له 71 مقعدا في البرلمان. في تلك السنوات لم يتم اجراء انتخابات للبرلمان، الذي مدد كل سنة ولايته.
هكذا فإن وجه الشبه مع البنية البرلمانية السابقة وتوزيع القوى السياسية مثلما كان في 2018، لا يكفي للقول بأن الانخفاض في القوة الانتخابية لحزب الله وشركائه تضمن استقرار أو بناء قيادة ناجعة متفق عليها يمكنها تنفيذ الاصلاحات المطلوبة كي يستطيع لبنان اعادة ترميم اقتصاده.
سيكون امام البرلمان الجديد في البداية تحدي انتخاب الرئيس الذي سيحل مكان عون الذي ستنتهي فترة ولايته في تشرين الاول المقبل. انتخاب رئيس جديد لا يعتبر أمرا احتفاليا. ففي لبنان الرئيس هو الذي يقوم بتعيين رئيس الحكومة وهو الذي لديه الصلاحية لإقالته وإقالة كل الحكومة وتعيين وزراء واقالتهم، ايضا الرئيس هو القائد الاعلى للجيش وهو مخول بحل البرلمان وفرض الفيتو على القوانين. قوته الكبيرة وتدخله النشيط في السياسة تحوله الى لاعب رئيسي، من هنا تأتي الصعوبة في التوصل الى اتفاق على انتخابه.
ليس من نافل القول التذكير في هذا السياق بأن بين الاعوام 2014 – 2016 أدت الخلافات حول مسألة انتخاب الرئيس الى أنه خلال كل الفترة لم تنجح القوى السياسية في تعيين رئيس، وجزء من وظائفه تم اشغالها مؤقتا من قبل رئيس الحكومة. انتخاب الرئيس يحتاج الى مصادقة ثلثي اعضاء البرلمان، لكن الدستور لا ينص بشكل صريح اذا كان الحديث يدور عن ثلثي مجمل اعضاء البرلمان أو فقط ثلثي اعضاء البرلمان المشاركين في جلسة انتخاب الرئيس، شريطة ألا يقل عددهم عن 50 في المائة زائد واحد.
بحسب هذين التفسيرين من الواضح أن البرلمان الجديد لا يمكنه توفير العدد المطلوب بدون تأييد "كتلة حزب الله". هكذا يمكن لهذا التنظيم أن يعيق لفترة غير محدودة انتخاب الرئيس عن طريق أن ممثليه ببساطة لا يشاركون في جلسة انتخاب الرئيس. واذا لم تنجح القوائم في التوصل الى اتفاق على هوية رئيس الحكومة حتى انتهاء ولاية الرئيس فان البرلمان يكون بحاجة الى ايجاد آلية بديلة متفق عليها من اجل تعيين رئيس الحكومة، الذي لا يحتاج أبدا الى مصادقة البرلمان من اجل تعيينه. هذا هو التناقض الكامن في النظام السياسي اللبناني، وهو الذي يخلق الوضع العبثي الذي بحسبه ايضا قوائم صغيرة يمكنها التشويش وحتى وقف تعيين اصحاب الوظائف الكبيرة في الدولة.
لكن اذا اجتاز البرلمان تحدي تعيين الرئيس، وحتى اذا تم تعيين رئيس حكومة ينجح خلال فترة زمنية معقولة في تشكيل الحكومة (من الافضل ألا نحبس في هذه الاثناء الانفاس) فإن الحكومة ستقف امام حقل غاز متفجر. قرارات رئيسية مثل الميزانية والاصلاحات الاقتصادية والمصادقة على مواثيق واعلان الحرب، تحتاج الى مصادقة ثلثي اعضاء الحكومة. كل كتلة لها ثلث من الثلاثين عضو من اعضاء الحكومة زائد واحد تكون لها القوة على وقف وإلغاء وافشال أي مبادرة مهمة للحكومة. حزب الله يحتاج 11 وزيرا للتعاون معه من اجل أن يتمكن من املاء سياسته العسكرية والاقتصادية. وليس دائما نجح في أن يجند "الثلث المانع". لذلك، هو بحاجة الى رئيس "صديق" يعين وزراء يؤيدون حزب الله. هؤلاء الوزراء تحولوا في حكومات سابقة الى ذريعة للمواجهة بين حزب الله وبين رؤساء الحكومات، والنضال ضدهم أدى ضمن امور اخرى الى استقالة رئيس الحكومة السابق الحريري. نسخة اخرى لهذه المواجهات يمكن أن تظهر في الفترة القريبة القادمة.
من هنا جاء الخوف الكبير من أن الاختلافات السياسية ستنزلق الى الشارع وستتحول الى مواجهات عنيفة بين مؤيدي حزب الله وشركائه وبين خصومهم. الآن هناك في لبنان من يحذرون من عودة الحرب الاهلية أو من أن يدفع حزب الله الى استعراض قوته والقيام بمواجهة عسكرية مع اسرائيل بحيث يجبر القوى السياسية على تأييده.
في المقابل، ايضا القوى التي تعارض حزب الله، من الواضح لها أن احباط هذه السيناريوهات سيجبرها على التجند بسرعة والتوصل الى تفاهمات من اجل عرض حكومة لها صلاحية وتستطيع الحصول على المساعدات بمليارات الدولارات، التي تنتظرها من الدول المانحة وصندوق النقد الدولي. من هنا فان الاستعجال وضرورة اختراق الطريق المسدود الذي وصل اليه الاقتصاد اللبناني يمكن بالتحديد أن يحث القوى السياسية على التوصل الى تعاون، حتى لو كانت نتيجته تقديم تنازلات سياسية لحزب الله وشركائه. في هذه الاثناء احتمالية ذلك بعيدة. فالأنا والمكانة والمصالح الشخصية التي تميز السياسة في لبنان لا تظهر أي علامات على التلاشي.