حزب الله في الثورة السورية وبعدها

تتضارب المعطيات بشأن حقيقة وعدد الضحايا الذين قضوا، يوم الأربعاء الماضي، في منطقة العتيبة بريف دمشق. ففيما يصر نظام بشار الأسد على أن القتلى مسلحون، أغلبهم غير سوريين، سقطوا في كمين مُحكم؛ تُصر المعارضة على أن الضحايا هم محض مدنيين حاولوا الفرار من الحصار الذي يفرضه النظام على المنطقة، بدليل مثلاً أن بعض الصور التي بثتها وسائل إعلام مؤيدة للأسد أظهرت دمية أطفال إلى جانب الجثامين! بل ويذهب البعض إلى أن حجم التفجير الكبير الذي عرضه إعلام النظام، لا يتناسب أبداً مع ما لحق بالجثامين والأرض المحيطة بهم من ضرر، وبما يثير شبهة أن هؤلاء ربما قضوا تحت التعذيب أو إعداماً، ثم تمت التغطية على الجريمة بـ"كمين استهدف إرهابيين".اضافة اعلان
أياً يكن، يظل اللافت بشأن مجزرة العتيبة حجم الاحتفاء غير المسبوق بالعملية من قبل حزب الله، عبر وسائل إعلامه تحديداً. علماً أن الحزب يقاتل في سورية منذ مدة طويلة، يحقق خلالها، كما يؤكد، انتصارات متتالية على الشعب السوري، فما الذي يجعل العتيبة استثناء؟
هنا يجب تذكر أن المجزرة "المفخرة"، جاءت بعد يومين فقط من قيام إسرائيل بغارة جوية استهدفت قاعدة
لحزب الله في الأراضي اللبنانية وليس السورية. والأهم هو وقوع المجزرة في ذات يوم اعتراف الحزب بتلك الغارة، مستخدماً عبارات طالما كانت خاصة بنظام بشار الأسد عن "الاحتفاظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين"! أي إن حزب الله كان يحاول التستر على استباحته من قبل إسرائيل، وربما السعي إلى رفع معنويات أعضائه وأنصاره، على حساب الدم السوري. هذا مع أن الإنصاف يقتضي القول إن خطاب "الرد في الوقت والمكان المناسبين" كان قد بدأ بالتسلل إلى خطاب الحزب منذ ما بعد حرب 2006، كما ظهر خصوصاً عقب اغتيال مسؤوله العسكري عماد مغنية.
وإذا كانت "احتفالية" مجزرة العتيبة تكشف، بناء على ما سبق، حجم الانحراف الذي ضرب من كان "مقاومة"، ولم يفعل شيئاً لحقن الدم السوري، مكتفياً بالانتقال من الإنكار إلى تخوين السوريين جميعاً وتكفيرهم؛ فإن هذه المناسبة، لا سيما الغارة الاسرائيلية، تطرح أيضاً السؤال عن مستقبل حزب الله وفق أفضل السيناريوهات، أي سحق الشعب السوري وبقاء بشار الأسد.
هنا يبدو ثمة سيناريوهان رئيسان: يتمثل الأول في حرب إسرائيلية شاملة ضد الحزب "المنتصر" إنما المستنزف، في سورية ولبنان. فإسرائيل، منطقياً، لن تسمح لإيران بأن توسع حضورها عبر حزب الله، ليشمل سورية بعد لبنان.
لا يلغي احتمالية هذا السيناريو إلا السيناريو الثاني المتمثل في اتفاق إيراني-أميركي (غربي) ترضى عنه إسرائيل، ويتضمن نزع سلاح حزب الله تماماً، وإلا فتحوله إلى ميليشيا طائفية صراحة، مع واجب حماية الحدود الإسرائيلية لا مع لبنان فقط، بل ومع سورية.
طبعاً، قد يذهب البعض، تمنيا أو تلفيقاً، إلى وجود سيناريو ثالث، يتمثل في مواجهة إسرائيل وانتصار الحزب عليها. ورغم أن هذا السيناريو يتناقض ابتداء مع كل التوجهات والمبادرات الإيرانية الحالية نحو الولايات المتحدة والغرب عموماً، يظل الأهم هو افتقاد حزب الله اليوم لأي حاضنة شعبية وطنية عابرة للطائفية، في لبنان وسورية على السواء، والتي مثلت الشرط الأساس لانتصارات الحزب في السابق، يوم كان مقاومة.

rashwanim@