حزب الله يحاول التوازن بين الردع والاحتواء

00
00

هآرتس

تسفي برئيل

29/7/2020

اضافة اعلان

مر أسبوع كامل بين الهجوم المنسوب لإسرائيل في دمشق الذي قتل فيه نشيط لحزب الله وبين المواجهة القصيرة التي حدثت أول من أمس على الحدود الشمالية بين إسرائيل وحزب الله. في كل هذه الأيام إسرائيل استعدت في الحقيقة لكل سيناريو، لكنها لم تعرف ما هو السيناريو الذي سيختار حسن نصر الله تنفيذه. حتى الآن إسرائيل ما يزال يجب عليها أن تقدر هل نصر الله استكمل ثأره أو أن عليها الانتظار الى حين سقوط الحذاء الثاني.
التقديرات بالنسبة للرد المتوقع استندت الى تجربة الماضي، وبالاساس الى الاعتراف بأن حزب الله هو تنظيم عقلاني. أي أن التنظيم هو تنظيم سياسي وليس تنظيما عسكريا، حيث أنه مقيد بتشابك معقد من الأزمات السياسية والاقتصادية وأن مكانته في لبنان لا ترتكز فقط على قدرته على استخدام إسرائيل ضد أهداف مدنية في لبنان، وبهذا يهدد استقرار النظام الذي هو نفسه شريك فيه. هذا تنظيم، مثل حكومة إسرائيل، يجب عليه الاهتمام برد الجمهور في لبنان الذي يعتبره أحد المتهمين الرئيسيين في انهيار اقتصاد الدولة.
وبسبب أنه يمسك بيديه ملفات رئيسية في الحكومة، منها ملف الصحة المسؤول عن معالجة فيروس كورونا، فان حزب الله يؤيد طلب الحكومة للحصول على مساعدات من الغرب – قرض من صندوق النقد الدولي وهبات من دول أوروبية تعهدت قبل نحو سنتين بأن تحول الى لبنان نحو 11 مليار دولار. هذا التنظيم، حسب التقديرات، لا يمكنه أن يغامر بحرب أو برد يجر الى حرب.
منطق حزب الله يلزمه بأن يجري أمام إسرائيل ليس فقط ميزان ردع عسكري، بل ايضا احتواء. نصر الله يرسم بين هذين الأمرين خط تمييزي واضح وحاد. طلعات سلاح الجو في سماء لبنان تحولت الى ظاهرة مستوعبة لا تحظى برد من التنظيم. كذلك ايضا هجمات إسرائيلية في الأراضي السورية حتى لو كانت موجهة ضد قوافل سلاح لحزب الله أو مخازن سلاح وذخيرة يملكها حزب الله في سورية. والخوف من أن يعمل حزب الله ضد إسرائيل كمبعوث لإيران ويرد بدلا منها على الهجمات المنسوبة لإسرائيل، لم يتحقق.
في كل ما يتعلق بالردع فان حزب الله يتصرف كتنظيم يدير حسابا خاصا مع إسرائيل، وليس كفرع لدولة معادية. هكذا كان الأمر عندما نفذ اختطاف الجنود في صيف 2006، الذي أدى إلى حرب لبنان الثانية، وهي عملية استهدفت بالأساس تسوية الحساب مع إسرائيل على اختطاف نشطاء حزب الله واعتقال سمير قنطار. وقبل أشهر من ذلك أوضح نصر الله ورئيس حكومة لبنان، فؤاد سنيورة، بأن هذا الحساب هو أمر بين التنظيم وإسرائيل وليس له صلة بحكومة لبنان. نصر الله اخطأ، ومثلما اعترف بعد فترة طويلة على حرب لبنان، فانه لو عرف أن هذه ستكون نتائج عملية الاختطاف لما كان نفذها.
ليس بالضرورة قبول أقواله في حينه بحرفيتها. ولكن منذ ذلك الحين أدار حزب الله نشاطاته ضد إسرائيل على أساس الرؤية التي تقول بأنه يجب أن يرفق بالردع مستوى معينا من الاحتواء، الذي بدونه يمكن أن يجد نفسه في حرب متواصلة ضد اسرائيل دون نقاط للخروج – وأن يؤدي الى انهيار قاعدة قوته السياسية في لبنان. واشعال الرد الإسرائيلي الاوتوماتيكي في أي لحظة يخطر ببال نصر الله أن يفرض سيطرته على مستقبل لبنان بدأ بالعمل ضده، حيث أنه يهدد بالخطر مشروع نشر الصواريخ الذي تحول إلى مخزون استراتيجي وجزء لا ينفصل عن ميزان الردع، لكنه محمي من قبل سياسة الاحتواء التي يتبعها التنظيم. هذه السياسة هي التي منعت حتى الآن ضرب إسرائيلي لقواعد الصواريخ التابعة للحزب في لبنان رغم أنها تشكل تهديدا أكبر على إسرائيل من التهديد الذي تشكله مخازن الصواريخ في سورية التي تقوم بقصفها بشكل حر.
"إسرائيل مصممة أكثر من أي وقت مضى على منع المس بسيادتها أو جنودها، وبالتأكيد بمواطنيها"، أعلن بحزم وزير الدفاع بني غانتس في تصريح مشترك له مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أول من أمس. "لبنان وسورية دولتان سياديتان وهما تتحملان مسؤولية أي عملية ارهابية تحدث على اراضيهما". ومن المثير للاهتمام أنه لم يحذر حزب الله، بل تطرق الى سورية ولبنان بصفتهما دولتين سياديتين، وإسرائيل تتعامل مع هذه السياسة بصورة انتقائية. في سورية التي فيها روسيا هي المسيطرة الفعلية وايران هي المساعدة من الجانب، إسرائيل تتصرف معها وكأنها غزة، تدخل وتخرج دون انتظار دعوة مع خرق فظ للسيادة. وفي نفس الوقت هي حذرة من مهاجمة اهداف للنظام السوري خوفا من أن تفقد الاذن بالعمل الذي اعطته لها روسيا. أما بالنسبة للبنان، دولة اخرى تعتمد سيادتها على ضبط النفس، ما تزال إسرائيل تتعامل برهبة بسبب ميزان الردع أمام حزب الله ولأنها ملتزمة بسياسة ضبط النفس. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الأعداء العقلانيون.
ميزان الاحتواء يبدو أقل ردعا أو عنفا من ميزان الردع. وهو يتميز بألوان ضبط النفس، الاحتواء والامتصاص. ويبدو أنه لا يناسب دولة تسعى الى تخويف التنظيمات ودول المنطقة. ولكن هذه ايضا هي السياسة التي تتعامل بها إسرائيل مع حماس. يبدو أنها تهاجم في غزة في كل مرة يطلق فيها صاروخ على اسرائيل، لكنها فعليا قررت في حالات كثيرة امتصاص النيران وعدم الرد، عندما خدم الاحتواء مصالحها السياسية أو العسكرية. لقد سلمت بسيطرة حماس على القطاع وحولتها الى شريكة غير مباشرة في جهود ترسيخ التهدئة، وهي تسمح بتحويل ملايين الدولارات لقيادة حماس، ولم يعد يسمع منذ فترة طويلة الحديث عن تصفية حماس. هذه السياسة ليست مرفوضة، بل حيوية، سواء أمام حماس أو حزب الله، إذا كانت إسرائيل تسعى إلى منع اندلاع حرب.