حساسية مصر

أحزان مصرية لا تتوقف، تأتي بها أخبار الطائرات المتحطمة فوق مياه البحار أو فوق الصحارى أو تلك المخطوفة. "لعنة الطائرات" المرتبطة بمصر خلال أقل من عام واحد، أودت بحياة نحو 290 ضحية. إذ تعرضت طائرات "مصر للطيران" لثلاثة حوادث خلال أقل من عامين، وحادث آخر لشركة أخرى أقلعت طائرتها من مطار مصري. اضافة اعلان
آخر الحوادث ذلك المتعلق بتحطم الطائرة المتوجهة من باريس إلى القاهرة فجر الخميس الماضي. وقبلها بستة أسابيع، تعرضت إحدى رحلات الشركة لحادث اختطاف شغل العالم، إلا أنه مر من دون ضحايا. وفي تشرين الأول (نوفمبر) من العام الماضي، حبس العالم أنفاسه عند سماع أنباء حادث طائرة الخطوط الروسية التي تحطمت فوق سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، ومقتل جميع من على متنها.
في الوقت الذي تقود حوادث الطيران المتكررة إلى هز ثقة المسافرين بالطيران العالمي بأكمله، وتحديدا الطيران والمطارات المصرية؛ فإن ثمة اتجاها تحليليا بات يقوى أكثر، يذهب إلى أن المستهدف الأول والأخير من وراء هذه الحوادث هو مصر، ما جعل أحد الكتاب يتساءل: "إسقاط طائرة أم إسقاط مصر؟"، وذلك على خلفية الأزمة التي مرت فيها مصر خلال آخر عامين منذ أن صعد الإخوان المسلمون إلى السلطة، وما ارتكبوه من أخطاء، وصولا إلى ما يوصف بـ"المشهد الانقلابي" الذي أخرج الإسلاميين من الحكم وزج بهم في السجون. ثم صعود نخبة جديدة لم تتوقف أخطاؤها أيضا؛ ما جعل مصر في أزمة محتدمة لها جذورها الداخلية وامتداداتها الإقليمية والدولية. صاحبت هذه التحولات حملات دعائية عاتية عابرة لمياه النيل والصحارى المجاورة، وصولا إلى هضاب الأناضول شمالا. وهذا المزاج السياسي والدعائي الصعب يخلق حساسية عالية حول مصر، تجعل البيئة مواتية لتوظيف أي حادث أو أزمة، صغيرة أو كبيرة؛ وإعادة إنتاجها وفق مقياس الأزمة المرتبطة بالسلطة وبقصة الإخوان والأوضاع الراهنة. هذه الحساسية المفرطة تتجاوز الطريقة التي تعمل بها وسائل الإعلام، وتصل إلى مواقف الدول وسلوكها.
مصر من دون شك "بعافية"، وتعاني ميراث عقود من الفساد والاستبداد، كما تعاني اليوم غياب الرؤية. لكن الأمر الذي لا يجب أن نتجاوزه هو أنها تواجه حملات دعائية قاسية لم تتوقف منذ فترة، تساعد ذلك أخطاء وفوضى داخلية. واحدة من أقوى الفرضيات المنتشرة حاليا حول الحادث الأخير، تتحدث عن استهداف العلاقات المصرية-الفرنسية، على أساس أن السلامة الفنية والأمنية للطائرة ترتبط بالمطار الذي أقلعت منه. هذه الفرضية تقوم على فكرة ضرب العلاقات بين البلدين التي أخذت بالنمو مؤخرا، إذ وقع البلدان صفقات تسلح كبيرة.
صحيح أن أكثر ما تحتاج إليه مصر، خلال السنوات المقبلة، هو الاستقرار. لكن، في الوقت نفسه، فإن أي استقرار يكتفي بالقوة وحدها سيكون استقرارا هشا، ولن يأتي بالأخبار السارة للمصريين. ولعله من المفيد اليوم أن تنظر النخبة المصرية الحاكمة إلى اليوم التالي من زاوية أخرى؛ زاوية بناء دولة لكل مواطنيها، وذلك بالتخلص من الصراع على أجندات الثورات، والانتقال مباشرة إلى مسار بناء الدولة الذي من دونه لن يكتمل إثبات شرعية ما جاءت به الصناديق.