حصاد مكافحة الفساد

ما من قضية حظيت باهتمام شعبي ورسمي العام الماضي مثل قضية مكافحة الفساد. فعلى وقع التحولات التاريخية في العالم العربي والسقوط المدوي لأنظمة فاسدة ومستبدة، تصدرت الدعوات إلى مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين أجندة المطالبين بالإصلاح. وواجهت الدولة ضغوطا كبيرة لفتح ملفات من يوصفون برموز الفساد.اضافة اعلان
ومن وجهة نظر الرأي العام، كانت الأغلبية الساحقة من رجال الدولة في دائرة الاتهام. لقد اختلطت بحق الحقائق بالإشاعات، ولم يعد أحد بمنأى عن الاتهام. وليس بإمكاننا أن نلوم الناس على هكذا موقف، فالتستر الرسمي على الفساد وتحصين الفاسدين في مواقعهم لفترات طويلة، دفعا بتيار شعبي عريض للاعتقاد بأن الجميع في سلة واحدة.
بعد سلسلة من المناورات ومحاولات التسويف، باشرت الأجهزة الرسمية في فتح معظم الملفات التي تدور حولها شبهات الفساد، وتناوبت السلطات التشريعية والتنفيذية بإجراء التحقيق. وفي هذا المجال لعبت هيئة مكافحة الفساد دورا فعالا، اصطدم أحيانا مع الحدود المرسومة.
لكن التحرك الرسمي لم يشفِ غليل الشارع، وظلت شعارات مكافحة الفساد مرفوعة في المسيرات والاعتصامات. وتطور الأمر إلى حد المطالبة علنا بمحاكمة شخصيات بعينها تولت مناصب رفيعة في الدولة، ولم يسلم من الاتهامات من هم في مواقع حساسة ومحصنة.
فماذا كانت حصيلة الحملة على الفساد في العام 2011؟
اثنان من كبار المطلوبين شعبيا جرى توقيفهما على ذمة التحقيق من بين العشرات، ولم يقدما إلى المحاكمة بعد، فيما التحقيق ما يزال مستمرا بعدة قضايا. كما أعيد فتح ملفات سبق لمجلس النواب أن حسمها، كملف الكازينو. وفي الأسابيع الأخيرة من السنة الماضية، راجت أنباء عن قرب توقيف شخصيات من العيار الثقيل، غير أن ما حصل كان استدعاء بعضهم للإدلاء بشهاداتهم. وتؤكد مصادر على صلة بجهات التحقيق أن الشخصيات المعنية ستمثل أمام القضاء قريبا.
وفي السياق، تداولت وسائل الإعلام معلومات عن تسويات مالية مع بعض المتهمين وفق قانون الجرائم الاقتصادية، تم بموجبها استرجاع مبالغ بالملايين، وأراض وعقارات، إلا أن الحكومة لم تؤكد ذلك رسميا، ولم تكشف عن قيمة المبالغ التي تم استرجاعها وإذا ما أودعت في الخزينة أم لا.
باستثناء ذلك لم تسجل تطورات لافتة في ما قيل إنها حرب على الفساد. فعلى العكس منه، شهد العام 2011 نكسة لجهود مكافحة الفساد، صارعت الدولة طويلا لاحتواء آثارها السلبية، وتمثلت في الخروج الغامض لخالد شاهين من السجن والسفر الى الخارج لتلقي العلاج. ورغم نجاح الجهات الرسمية في إعادته، إلا أن سفره تحول هو الآخر إلى ملف تحقيق أحالته هيئة مكافحة الفساد مؤخرا إلى مجلس النواب، والذي بدوره سيقوم باستدعاء رئيس الوزراء السابق وأقطاب في حكومته لسماع شهاداتهم.
لم تصدر بعد نتائج استطلاعات تقيس مدى الرضا الشعبي عن جهود الدولة في مكافحة الفساد. لكن نستطيع القول إن المزاج الشعبي لم يتبدل كثيرا، رغم الإحساس بأن هناك وللمرة الأولى إرادة ملموسة لاحتواء الفساد وتصفية إرث المرحلة السابقة سعيا إلى فتح صفحة جديدة.
التحدي الماثل أمام الدولة في العام الجديد هو الإبقاء على الزخم المطلوب لجهود مكافحة الفساد، وتحويل جميع الملفات إلى القضاء من دون انتقائية أو تمييز، وضمان محاكمة عادلة وعلنية للمتهمين كي لا يقال إنها مجرد تصفية للحسابات، أو محاولة من الدولة للالتفاف على مطالب الشعب.
والأهم من محاكمة رموز الفساد السابق، الالتزام بأن لا نعود للماضي، وانتهاج سياسات جديدة لا تسمح بتكرار ما حصل أو إنتاج جيل من السياسيين على غرار ما شهدنا في السنوات السابقة.
والفساد ليس أشخاصا فحسب، بل تشريعات جرى التلاعب فيها، وسياسات سادت وحكمت، وتغييرها أولوية لا تقل أهمية عن محاكمة رموزها واسترجاع الأموال المنهوبة.