حصة إيران الاقتصادية في سورية

الرئيسان الحليفان؛ السوري بشار الأسد والإيراني أحمدي نجاد - (أرشيفية)
الرئيسان الحليفان؛ السوري بشار الأسد والإيراني أحمدي نجاد - (أرشيفية)

ماجد رافيزاده *  (فورين بوليسي) 

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
وضعت العديد من التحليلات عن دور إيران الاستراتيجي والجيوسياسي في النظام السوري، لكن لم يتم إيلاء ما فيه الكفاية من الاهتمام للعلاقات الاقتصادية الحاسمة والمتطورة بين البلدين. ومن خلال تحليل العلاقات بين إيران وسورية من هذا المنشور، يستطيع المرء أن يلقي الضوء على الوقائع الأكثر اختلافاً وغير التقليدية والمعقدة الخاصة بدور إيران في سورية.اضافة اعلان
تاريخياً، ما تزال إيران تستثمر كمية كبيرة من الأموال والموارد والقوى الماهرة والعمالة في سورية. وقد ارتفع حجم هذه الاستثمارات، على وجه خاص، في الأعوام القليلة السابقة لبدء الانتفاضات في شهر آذار (مارس) من العام 2011 في عموم سورية. وعلى الرغم من أن مبالغ ضخمة من الأموال والموارد كانت قد خصصت للاستثمارات في النقل والبنية التحتية السورية، فإن الروابط الاقتصادية الإيرانية والسورية ليست مقتصرة على هذه الفضاءات. وقبل شهور قليلة من قدح زناد الانتفاضات الشعبية، كانت السلطات الإيرانية قد وقعت على اتفاقية خاصة بالغاز الطبيعي مع سورية والعراق بقيمة 10 بلايين دولار، والرامية إلى إنشاء خط أنابيب غاز يبدأ من إيران ويمر عبر سورية ولبنان والبحر الأبيض المتوسط، ويصل إلى عدة بلدان غربية. ووفق الاتفاقية، فسيتسلم العراق وسورية كمية محددة من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي في كل يوم. وقد نال هذا الاقتراح مصادقة المرشد الديني الأعلى في إيران علي خامنئي، الذي دعم أيضاً تخصيص مبلغ 5.8 بليون دولار كمساعدات لسورية من جانب مركز إيران للأبحاث الاستراتيجية الذي يركز على استراتيجيات جمهورية إيران الإسلامية في ستة حقول مختلفة، بما فيها أبحاث السياسة الخارجية، وبحث الشرق الأوسط والخليج، وبحث الاقتصاد السياسي الدولي.
وثمة اتفاقية فريدة من نوعها وبالغة الأهمية كانت قد وقعت قبل اندلاع الأزمة في سورية، والتي تضمنت اقتراحاً بتأسيس بنك مشترك في دمشق تمتلك الحكومة الإيرانية 60 % منه. وكان من شأن الاتفاقية أن تتيح لإيران تحديد أربعة محاور مالية أخرى تجري من خلالها معاملاتها في سورية. وفي نفس الوقت، سمح للبنوك السورية بالانخراط في التجارة والمعاملات مع الغرب قبل العقوبات التي فرضت بعد اندلاع الصراع. وكان النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي والرئيس السوري بشار الأسد قد بحثا حتى اتفاقية أكثر شمولية قبل وقت قليل من اندلاع الانتفاضات، وذلك بهدف تأسيس تكتل اقتصادي إقليمي. ونتيجة لهذا الاقتراح، وقعت اتفاقية من 17 مادة، والتي ركزت على "التجارة والاستثمار والتخطيط والإحصاء والصناعات والنقل الجوي والبحري والسكك الحديدية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصحة والزراعة والسياحة".
وقد أفضت الجولات الأخيرة من العقوبات الدولية التي فرضت على سورية إلى تعليق كل الاتفاقيات السابقة التي حاولت إيران تأمينها في المنطقة، ما وضع ضغطاً كبيراً على إيران. كما فقدت الليرة السورية 25 % من قوتها وهبطت أسعار صرفها من 47 ليرة سورية للدولار إلى 67 ليرة سورية للدولار. وأعلنت وزارة الاقتصاد السورية أن أسعار المواد الغذائية قد حلقت بشكل درامي. وزادت أسعار بعض المواد بنسبة وصلت إلى 37 % منذ أن بدأت الانتفاضة الشعبية. ونظراً للزيادات في الإنفاق العسكري، فقد زاد الإنفاق العام بواقع 17 بليون دولار في العام 2011. وفي الأثناء، تراجع العائد العام بواقع 2.31 بليون دولار.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين كانوا قد أشاروا بين الفينة والأخرى إلى أن تحالفهم الاقتصادي مع سورية لن يهتز بفعل القضايا الأمنية منذ بداية الانتفاضات، فقد واجهت الشركات السورية التابعة للدولة، شأنها شأن مشغلي الأعمال التجارية، صعوبات متنامية وعوائق في التجارة وعقد صفقات مع إيران بسبب القيود المفروضة على التعامل بالدولار.
وعمل التحالف الاقتصادي الإيراني السوري بين عقود متعددة المستوى للدولة ومنظمات شبه خاصة، من خلال تبني الدولار للتعاملات التي كانت تقدر ببلايين الدولارات. ومع ذلك، خلقت القيود والضوابط التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الخليجية العربية الأخرى بعد بدء الصراع صعوبات جمة أمام استغلال وتصدير العملات الأجنبية من خلال البنك المركزي السوري.
وقد دفعت هذه الضغوط الاقتصادية على كلا البلدين بإيران وسورية إلى التوقيع على اتفاقية تجارة حرة رمزية يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) من العام 2011.
وجاءت الخطوة بمثابة محاولة لمحو الآثار التي ترتبت عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض أعضاء جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى التقليل من العوائق التجارية التي تنجم عن تقدم الثوار واختطاف بعض الإيرانيين في دمشق وحالة انعدام الأمن المستمرة.
وطبقاً للاتفاقية الأخيرة، يتم تحرير التجارة أكثر بين الشركات المملوكة للدولة. وقد أعلن كلا البلدين أنهما سيخفضان الرسوم الجمركية من أجل تسهيل التجارة والأعمال التجارية. وقررت سورية، على وجه الخصوص، خفض الرسوم على السلع السورية التي تصدر إلى إيران بواقع 60 % من أجل رفع سوية التجارة البينية. وأشار وزير الاقتصاد والتجارة محمد نضال الشعار في اجتماع اللجنة السورية الإيرانية إلى أن "الطريق إلى إيران ممهدة على الدوام للبلدين".
وتعد هذه الاتفاقيات المالية الأخيرة حاسمة بالنسبة لكلا البلدين، لكنها أكثر أهمية بالنسبة لسورية، لأنها تمكنها من فتح سوق جديدة لمنتجاتها، وبالتالي زيادة عائداتها. ويعتقد بأن هذه الاتفاقيات ستزيد حجم التجارة السنوية بين إيران وسورية إلى 55 مليار دولار. وقال علاء الدين بروجردي إن الاتفاقيات الأخيرة جاءت لتكون رداً حازماً على الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب الذين يستثمرون بلايين الدولارات لتغيير الهيكل السياسي للحكم في سورية. وتهدف الاتفاقيات السورية الإيرانية الأخيرة إلى تقديم الدعم المعنوي والاقتصادي لنظام الأسد المعزول، وللحكومة الإيرانية أيضاً.
لا شك بأن لدى إيران مصالح جيو- سياسية واستراتيجية ضخمة في سورية، لكن البلد أصبح بالإضافة إلى ذلك خط حياة اقتصادياً حاسماً بالنسبة لإيران. وفيما أصبح البلدان معزولين على نحو متزايد عن المجموعة الدولية، أصبحت روابطهما الاقتصادية أكثر أهمية إلى حد كبير. ومع ذلك، فقد علقت بلايين الدولارات من الاستثمارات الإيرانية في الأزمة الراهنة في سورية. وحتى يتم التوصل إلى حل للصراع الذي يقترب من عامه الثاني، إما باستعادة الأسد السيطرة على زمام الأمور، أو بتأسيس حكومة جديدة، فستستمر الظروف الاقتصادية في مواجهة التهديدات.

*إيراني-سوري، وعالم ومحلل سياسي وناشط في مجال حقوق الإنسان. وهو رئيس المجلس الدولي الأميركي حول الشرق الأوسط والمسلمين. درس في جامعة كاليفورنيا وسانتا باربرا في بعثة تعليمية لمؤسسة فولبرايت. أجرى سابقاً بحوثاً في مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء، وشارك في المجلس القومي للعلاقات الأميركية العربية.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Iran’s economic stake in Syria