حصة عن الإرهاب!

خلال الأعوام القليلة الماضية، أصبح العديد من الأردنيين "كثيري غلبة"؛ فما عادوا يأخذون أي قرار على محمل المسلمات، بل يلجأون إلى إخضاع كل جديد للنقاش والنقد والتمحيص.اضافة اعلان
حصة التوعية من الإرهاب التي أعلنت وزارة التربية والتعليم أنها أقرتها خلال الطابور الصباحي كل ثلاثاء في جميع المدارس، هي واحد من القرارات التي توقف عندها الأردنيون، وأشبعوها نقاشا. وكالعادة، كان هناك انقسام واضح بين الآراء التي تباينت بين مؤيد وبين معارض.. وأحيانا مستهجن أو مستهزئ.
لكن، وبعيدا عن المتطرفين في آرائهم من جميع الاتجاهات، لا بأس من إخضاع "الفكرة" للنقد الموضوعي، حول طبيعة إقرارها ومحتواها وشكل مخرجاتها، وسلة الأهداف التي من المنتظر أن تحققها، لكي نستطيع الوصول إلى تكوين رأي حولها.
من خلال حسبة بسيطة، وبالتفكير في حيثيات القرار، سنصل إلى أن تطبيقه يعتمد على مكونين؛ الموارد البشرية، والمنهاج. وبنظرة متفحصة لهذين المكونين، سنكتشف "اللاجدوى" التي قد تصل إلى إفرازات سلبية لم ينتبه إليها المسؤول الذي "سَلَقَ" القرار، وامتطى الموجة التي تعلي من مفهوم "عقلية القطيع" في التعامل مع مختلف التحديات التي تواجهنا. هي عقلية تتجلى في الارتجال واللجوء إلى برامج شكلية بطرق "شعبوية" تعلن عن الانتماء إلى الجماعة، من غير أن تمتلك أي مقومات البرامج الفعلية التي تُبنى لتحقيق أهداف حقيقية.
أوجه الارتجال تتبدى في المكونين، فليس هناك منهاج مكتوب أو متفق عليه يهتدي به المعلمون لشرح مفهوم الإرهاب ومكوناته وتوجهاته وطرائقه، وكيفية التفريق بينه وبين النضال الشرعي للشعوب وللقوى الوطنية أو الدينية في بعض البلدان، خصوصا نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال الصهيوني.
إن عدم وجود ضوابط مرجعية، سيكشف بالتأكيد هشاشة المكون الثاني، وهم المعلمون، المطالبون بالارتجال تبعا لارتجالات وزارتهم، ما سيعمل على "تمييع" التعريفات وفقا للمرجعيات الأيديولوجية لدى المعلم  نفسه. ومع وجود صراع كبير اليوم بين التنظيمات الدينية من جهة، والاتجاهات القومية واليسارية من الجهة الأخرى، تبعا لمخرجات ما يسمى "الربيع العربي"، فإننا نخشى أن صفة الإرهاب ستشهد انزياحات عديدة، فتارة سنرى الصفة لصيقة بكل رجل يطلق لحيته أو أي امرأة التزمت اللباس الشرعي، وتارة أخرى، ستزدهر البيئات التي تعلي من شأن نظرية المؤامرة، ومقولات "ما يحدث مسرحية"، و"استهداف الإسلام"، و"بوادر الخلافة تلوح في الأفق"، وغيرها، ليتم، بالتالي، إضفاء صفة المجاهدين على الإرهابيين؛ والشهداء على فئة ضالة مضللة تستهدف وجودنا. وقد يجرؤ آخرون على النيل من شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل أمننا.
هذه السيناريوهات لبست خيالية، بل هي مرشحة للحدوث، ما قد يسهم في تشويش كبير لدى الطلبة، سيؤدي في النهاية إلى التأثير على فهمهم النهائي لطبيعة الصراعات في المنطقة، وخلط المفاهيم لدى جيل ما يزال في صدد الصيرورة والتكون.
تكمن الخطورة الكبيرة للقرار، في ضبابيته التامة، لجهة المنهج والتطبيق. كما أنه ينبغي لنا أن ندرك أن برنامج الدولة في مكافحة الإرهاب، ومنهاجها، هو مثار خلاف وانقسام في المجتمع اليوم، والمعلمون جزء من مكونات المجتمع، وهم لا يتبنون جميعهم وجهة النظر نفسها تجاه هذه القضية، ما يجعلنا نقامر بمستقبل أبنائنا باعتماد مثل هذا القرار الارتجالي الخطير.
نحن نحتاج فعلا إلى تحصين أبنائنا ضد هذه الأفكار السوداء المميتة، وتعريفهم على فحوى الإسلام الحقيقي الذي يرفض العنف والتطرف والإرهاب، وأن يدركوا أن هناك جماعات اختطفت الدين بحسب أدبيات واجتهادات ليست من الإسلام في شيء.
لكننا نريد أن يتم ذلك بمنهاج علمي مبني على أسس أكاديمية، وله أهداف محددة نستطيع قياسها في الآماد القريبة والمتوسطة والبعيدة، وليس مجرد ارتجال و"أعراس احتفالية" لا تفيد في شيء.
المحصلة النهائية من القرار، هي أن الآلية التي أفرزت فيها وزارة التربية والتعليم هذه الحصة، تجعلنا نضع أيدينا فوق قلوبنا، وأن نتساءل بخوف: هل هذه هي الطريقة نفسها التي أقرت فيها الوزارة المناهج الدراسية لأبنائنا؟!