حصيلة الموت السرية لطائرات أميركا المسيَّرة

Untitled-1
Untitled-1

افتتاحية - (النيويورك تايمز) 30/3/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

تقول وزارة الدفاع الأميركية إن الغارات الجوية الأميركية في الصومال لم تقتل أي مدنيين منذ قام الرئيس ترامب بتسريع وتيرة الهجمات ضد مشتددي "الشباب" هناك قبل عامين. وحققت منظمة العفو الدولية في 5 من بين أكثر من 100 غارة جوية شُنت في الصومال منذ العام 2017 بواسطة الطائرات من دون طيار والطائرات المأهولة، ووجدت في هذه العينة الصغيرة فقط أن 14 مدنياً قد قُتلوا في هذه الغارات على الأقل.
وتقول وزارة الدفاع الأميركية إن الضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويقاتل "داعش" قتلت 1.257 مدنياً على الأقل في العراق وسورية بحلول نهاية كانون الثاني (يناير) من هذا العام. وتقدّر "إيرويز"، وهي مجموعة مراقبة في إحدى الجامعات أن تلك الضربات الجوية قتلت في الحقيقة 7.500 مدني على الأقل في هذين البلدين.
تظهر هذا التباينات في الإحصائيات مدى قلة فهم الجمهور الأميركي للكلف الإنسانية المترتبة على حرب جويّة تخاض إلى حد كبير بواسطة الطائرات بلا طيار المسيَّرة عن بُعد. وكانت الطائرات المسيّرة بمثابة السلاح الرئيسي في قتال مكافحة الإرهاب لأكثر من عقد. وهي تقتل المتطرفين من دون المجازفة بأرواح الأميركيين، وتجعل الاشتباك يبدو معزولاً عن الجبهة الداخلية. لكن عدد المدنيين الذين يُقتلون في هذه الهجمات يظل ملفوفاً بغطاء من السرية.
بل إن الرئيس ترامب جعل من إزالة هذا الغطاء شأناً أصعب بكثير، عن طريق السماح لوكالة الاستخبارات المركزية بالتزام السرية حول عدد المدنيين الذين يقتلون في الغارات الجوية التي تنفذها الوكالة خارج مناطق الحرب الأفغانية العراقية والسورية -في أماكن مثل اليمن، ومنطقة الحدود الباكستانية الخارجة على القانون، وشمال أفريقيا.
وكان الرئيس أوباما قد وسع بشكل كبير استخدام هذه الضربات الجوية. لكنه خلُص في نهاية المطاف إلى إدراك الحاجة إلى المزيد من الشفافية والمساءلة -وتحت الضغط، وضع بعضاً من الضوابط المعقولة على هذه العمليات. وكان من بينها أمر صدر في تموز (يوليو) 2016، والذي يتطلب من الحكومة أن تصدر تقارير سنوية معلنة عن حصلية القتلى المدنيين في تلك المناطق.
لكن الرئيس أوباما ألغى ذلك الأمر هذا الشهر. ووصفه مجلسه للأمن القومي بأنه لا لزوم له لأن الكونغرس كان قد مرر فيما بعد قانوناً يفرض على وزارة الدفاع الإبلاغ علناً عن أي مدنيين يُقتلون في أي من عملياتها. لكن ذلك القانون يغطي وزارة الدفاع فقط، ولا يغطي حملة القتل بالطائرات المسيرة التي تقودها وكالة المخابرات المركزية، والتي توسعت في عهد الرئيس ترامب.
يقول الخبراء إن الضربات الجوية، في عهد الرئيس ترامب، ازدادت في كل من أفغانستان والعراق وسورية، وكذلك في الصومال. وفي اليمن، من غير الواضح مدى مسؤولية الأميركيين، في وجود التحالف السعودي-الإماراتي. وفي أفغانستان، ارتفع عدد الضربات الجوية الأميركية التي قتلت أو جرحت مدنيين بأكثر من الضعف خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وقتلت أكثر من 150 مدنياً، وفقاً لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان. كما أزال الرئيس ترامب أيضاً القيود عن استهداف الضحايا المدنيين.
منذ توليه المنصب، ألغى الرئيس القواعد التي تتطلب من الجيش وعناصر وكالة المخابرات المركزية الذين يعملون خارج ميادين المعارك الساخنة مثل أفغانستان والعراق، قصر أهدافهم على المتشددين رفيعي المستوى بدلاً من جنود المشاة والمراتب الدنيا. وبإلغائه عملية موافقة مفصلة بين الوكالات كانت تجري بين الوكالات، يكون الرئيس قد منح قادة الجيش الميدانيين مزيداً من السلطة لتوجيه الأوامر بشن الغارات بالطائرات المسيّرة.
مع ذلك، وحتى وفق القواعد السابقة، وبغض النظر عن دقة الأسلحة، ومدى عناية القائمين على التخطيط ومهارة المقاتلين، كثيراً ما أدت الأخطاء والاستخبارات الخاطئة -وحتى القرارات المحسوبة- إلى وقوع قتلى من المدنيين. وتتراوح البيانات الرسمية حول هذه الحوادث بين لا شيء والغموض الكبير، كما أن الضمانات للتقليل من الوفيات بين المدنيين ليست كافية.
كان الجيش قد تبنى في عهد إدارة أوباما نظاماً مفصلاً يهدف إلى تقليل الخسائر بين المدنيين إلى الحد الأدنى، بما في ذلك اشتراط أن يكون لدى القوات "شبه يقين" من أن لا يتعرض أي مدنيين للأذى قبل شن الهجوم. لكن التقارير التي نشرتها "نيويورك تايمز" ومصادر أخبار أخرى أظهرت أن وزارة الدفاع الأميركية قتلت من المدنيين في العراق أكثر بكثير مما تم الاعتراف به.
قدرت إدارة أوباما أن الطائرات من دون طيار قتلت خلال فترتيها الرئاسيتين ما بين 64 و116 مدنياً في 542 غارة جوية خارج مناطق الحرب الرئيسية. وحسب ميكاه زينكو، المؤلف المشارك للكتاب الجديد "الأمن الواضح والحاضر"، فإن الحصيلة الحقيقية هي 324.
تبقى الطائرات من دون طيار، مع كل عيوبها، أقل عشوائية في الاستهداف من قاذفات (بي-52س) أو أي سلاح آخر تقريباً. لكنها تشكل أيضاً أداة مغوية، والتي ربما تغري الرؤساء وقادة الجيوش بإيقاع ضرر بليغ في العدو من دون تفكير كافٍ.
لكن الافتقار إلى الشفافية والمحاسبة عن وفيات المدنيين يساعد الأعداء على اختلاق روايات كاذبة، ويجعل من الأصعب على الحلفاء الدفاع عن الأعمال الأميركية، ويصنع مثالاً سيئاً للدول الأخرى التي تضيف الطائرات من دون طيار إلى ترساناتها العسكرية باطراد. ويمكن أن تنجم عن هذه العمليات جرائم حرب، كما يزعم بعض المنتقدين.
لذلك، يحتاج الكونغرس الأميركي إلى الإصرار على توفير بيانات أفضل بينما يحقق المفتش العام في وزارة الدفاع في التقارير عن الضحايا المدنيين.
ليس هناك شيء مثل خوض قتال بلا مجازفة. وفي معارك الطائرات من دون طيار، ثمة الكثير من المجازفة بحياة الأبرياء. ويحتاج الأميركيون إلى فهم كامل الكلفة والتداعيات التي تنجم عن هذه المجازفات.

*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان: The Secret Death Toll of America’s Drones