حقبة جديدة من التعاملات النقدية في العالم العربي

أدريان بريدجوتر - متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا
أدريان بريدجوتر - متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا

أدريان بريدجووتر*

*متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا

نعيش في عالم متغيّر، نواجه فيه كل يوم مصطلحات ومفاهيم جديدة، مثل "تطبيق" و"سيلفي" و"إيموتيكون". غالبًا ما تكون هذه التعابير الجديدة التي تجتاح حياتنا وتملأ تفاصيل يومنا، مستوحاة من أحدث تطورات التكنولوجيا. ومن هذه التعابير التي انتشرت مؤخرا كلمة "Underbanking"، أو "عدم القدرة على الحصول على الخدمات المصرفية".اضافة اعلان
وإذا ما أردنا تعريف هذا المصطلح والأشخاص الذين يجدون أنفسهم في مثل هذا الوضع، فإنه يمكن القول إن مفهوم "عدم القدرة على الحصول على الخدمات المصرفية" يعبر عن الأشخاص والشركات الصغيرة الذين يعانون إمكانية محدودة أو معدومة للوصول إلى خدمات الأفراد المصرفية الرئيسة.
ولعل أحد الأسباب التي تؤدي إلى عدم القدرة على الحصول على خدمات مصرفية، هو بُعد الناس عن المرافق والخدمات المصرفية التقليدية، أو في بعض الحالات عدم كفاية المصادر المالية المحلية لتأمين احتياجات تطوير وإنشاء بنية تحتية خاصة للمصارف المحلية.
وينقسم الأشخاص والشركات الذين يعانون اعتماداً متضائلا على الخدمات المصرفية إلى مجموعتين: الأولى، تعتمد على البنوك بمستوى ضئيل. والثانية، لا تتعامل مع البنوك على الإطلاق. وتفتقر هاتان المجموعتان إلى الأساس القوي والجيد لتنمية الأعمال أو تطوير مستوى معيشتهم.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن احتمالية أن يكون للأشخاص ذوي الدخل المنخفض ممن يعيشون في الشرق الأوسط حساب مصرفي، أقل من الأشخاص ذوي الدخل المنخفض الذين يعيشون في أفريقيا أو جنوب آسيا.
وعلى حد قول مدوّن البنك الدولي سيمون بيل، فإن "4 % فقط من البالغين الذين لا يتعاملون مع البنوك في الشرق الأوسط يعزون سبب عدم امتلاكهم حساباً مصرفيا إلى أنهم ليسوا بحاجة لواحد، أي بمعنى آخر يبدو أن هناك طلبا غير ملبّى على الخدمات المالية".
ويضيف بيل: "إن احتمالية أن يكون لدى الشخص المذكور حساب مصرفي أقل بكثير من شخص يعيش في أميركا اللاتينية أو أوروبا الشرقية أو شرق آسيا، مقارنة بدولة أو منطقة ذات دخل متوسط".
كيف يتمكن الأفراد والشركات غير القادرين على التعامل مع البنوك من البقاء والاستمرار؟
إذا ما أردنا الإجابة عن هذا السؤال بناء على التعايش يوما بيوم، فإن هذه الفئات تلجأ إلى الاعتماد على المقايضة، والأشكال غير التقليدية للتمويل، وما يسمى "التمويل الأصغر".
إلا أن هناك حالة من الغموض تحيط بالتمويل الأصغر؛ فيما يتعلق بالثغرات الأمنية والافتقار لأدوات الرقابة الرسمية، الأمر الذي يتفاقم أحيانًا نتيجة استغلال مرابي القروض وغيرهم من الأشخاص غير الجديرين بالثقة على المستوى المالي. ومرة أخرى، هذا ليس أساساً جيداً لنمو الأعمال أو تنمية رفاه الإنسان.
ومما لا شك فيه أن عدم القدرة على الحصول على الخدمات المصرفية هو أمر شائع في عدد من الدول العربية؛ كاليمن والجزائر والمناطق الريفية في مصر، ولربما في مناطق نائية من المغرب. لكننا فوجئنا بانتشار هذه الحالة في بعض المناطق الأكثر نمواً وتطوراً في الشرق الأوسط.
كيف يمكننا التخلص من عدم القدرة على الحصول على خدمات مصرفية؟
"ريد كلاود" هي شركة بريطانية ناشئة، تُعرف بمساهمتها في تطوير وإطلاق خدمة "إم-بيسا"؛ وهي خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. وتتولى الشركة حالياً مهمة حل العديد من مشاكل البنية التحتية المصرفية في الشرق الأوسط وأفريقيا، بالاستعانة بتقنياتها المصممة لربط المجتمعات والشركات المتباينة والتي لا تملك القدرة على التعامل مع البنوك، بأنظمة تحويل الأموال.
إذ تملك شركة "ريد كلاود" منتج "بطاقة بيضاء"، بحيث تقدم منصة حوسبة هندسية مفتوحة تبيعها للبنوك في الشرق الأوسط والأسواق الناشئة. وعندها تصبح هذه المؤسسات قادرة على تخصيص المنصة والخدمة المصرفية التي تقدمها بما ينسجم مع علامتها واسمها التجاريين. وبالتالي، تعمل كوكالة محلية تمنح إمكانية الوصول إلى البنية التحتية المصرفية المركزية.
وتتميز المؤسسات التي يطلق عليها مصطلح "وكالة مصرفية" بقدرتها على النفاذ إلى المناطق المحرومة، وتعزيز إمكانية وصول هذه المناطق إلى المنتجات والخدمات المالية التي تحتاجها. وكل هذا يحدث من دون الحاجة إلى أن تقوم أي جهة بالاستثمار في البنية التحتية لفروع البنك.
تسهم الوكالات المصرفية في تحويل مهمات موظفي شركات الهواتف إلى ما يشبه مهمات أجهزة الصراف الآلي؛ بحيث يقدمون مختلف الخدمات المالية باستخدام أجهزة مثل قارئ البطاقة أو نقاط البيع أو الهواتف المحمولة، لإتمام تعاملات مالية حقيقية. ومن المهم أن يكون موظفو الوكالات المصرفية قادرين على تأدية مهماتهم في ظل أصعب الظروف؛ في مزرعة أو منطقة صناعية صعبة أو حتى على أحد الجبال.
كيف يمكن تحويل البنوك لاستقبال العصر الرقمي؟
في ضوء دراستها لعدد من البنوك؛ مثل بنك الخرطوم في السودان، تقترح "ريد كلاود" الاستعانة بتكنولوجيا "محرك معالجة التعاملات الحقيقي". إن من شأن هذه التكنولوجيا أن تمكن البنوك من تطوير قاعدة عملائها من بضعة آلاف إلى ملايين العملاء. كما يمكنها أيضاً تطوير بنية تحتية مصممة للتعاملات ذات القيمة العالية، أو التي تتضمن مبالغ ضخمة.
تقول سمية حمزاوي؛ المدير التجاري في "ريد كلاود": "تفرض الأسواق الناشئة في العالم العربي ومناطق أخرى تحدياً أمام البنوك التقليدية التي تسعى إلى توسيع نطاق عملياتها".
وتضيف: "عادة ما تفتقر المناطق غير الحضرية الواسعة إلى البنية التحتية الجاهزة التي تتيح إمكانية تطوير منتجات وخدمات مالية بسرعة. كما إن تكلفة الدخول إلى هذه المناطق النائية تكون باهظة في أغلب الأحيان. وهنا تأتي أهمية الوكالات المصرفية التي تمكّن البنوك من توسيع نطاق وصولها من دون أن تتأثر بشكل سلبي".
تشير سمية إلى حقيقة أن أكثر من 80 % من السكان البالغين في المناطق النامية في الصحراء الكبرى بأفريقيا لا يتعاملون مع البنوك، أو يتعاملون بمستوى ضئيل، أو هم "مستبعدون فيما يتعلق بالشؤون المالية".
منذ ظهورها، أثبتت الحلول المصرفية عبر الهاتف المحمول قوتها في أفريقيا على وجه التحديد؛ إذ حظيت بدعم شركات اتصالات مثل "إم تي إن" (MTN)، ومزودي حلول تكنولوجيا مثل "آي بي إم" (IBM). وفي أجزاء من الشرق الأوسط، كانت "فواتير الناقل" من الآليات الشائعة للتعامل المالي، كما هي الحال في موقع وتطبيق "كتبي" المخصص لبيع الكتب الإلكترونية، والذي تدعمه شركة "فودافون" في مصر، حيث يتيح الفرصة للمستخدمين لشراء الكتب باستخدام رصيدهم المتوفر في الهاتف المحمول. وقد أثمر انتشار هذا النطاق من المناهج والآليات التي تقدم الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول عن فتح أفق جديد للتعامل المصرفي للأشخاص الذين يعانون من ابتعادهم عن الخدمات المصرفية، كما أنه يدعم خدمات الهاتف المحمول التحويلية مثل "أوبر".
تصرف بسرعة قبل انتشار عدم التعامل بالمبالغ النقدية
من المهم للغاية أن نتصدى لحالة عدم القدرة على الحصول على الخدمات المصرفية في العالم العربي بسرعة وخلال فترة وجيزة. ولا نقول هذا بسبب تأثير ذلك على رفاه الشعوب وازدهار المناطق النائية من العالم العربي فحسب؛ ولكن أيضاً لتجنب الأثر الأوسع للدفعات غير النقدية عندما تصل إلى الجميع.
وعلى الرغم من أن عددا كبيرا من الأفراد والشركات المحلية الذين يتمتعون بأوضاع مالية جيدة أصبحوا معتادين بالفعل على الدفعات الإلكترونية غير النقدية وبطاقات الائتمان غير المربوطة ودفعات التطبيقات المصرفية على الهواتف الذكية، إلا أنه عند وصول مثل هذه الابتكارات إلى اقتصادات فقيرة  معتمدة على النقد، سنكون أمام عاصفة بدأت تتشكل بالفعل.
تعمل شركة "صن تيك" (SunTec) في مجال تكنولوجيا الحلول المصرفية، وتتخذ من الشرق الأوسط مقرا رئيساً لها، وتحديدا في دبي بالإمارات العربية المتحدة. وقد بدأت الشركة بالتعامل مع مجموعة كبيرة من العملاء في شبه القارة الآسيوية ممن وصلوا إلى الخدمات المصرفية الجديدة وحققوا ثروات طائلة، وهم الآن يودعون ما يملكونه من مبالغ نقدية في البنوك.
أسفر هذا الأمر عن حالة من الغضب والاستياء الجسدي واللوجستي من قبل الموظفين، ولكنه في المقابل أثمر عن جمع كم هائل من البيانات المهمة. وأصبحت ملايين سجلات الحسابات المصرفية الجديدة بانتظار فتحها وتغذيتها بالمعلومات اللازمة.
حان وقت "التدفق النقدي الإلكتروني"
إذا، باختصار، يمكننا القول إن هذه المرحلة تدشن انطلاق ثورة التعاملات المصرفية الإلكترونية أو ما يسمى "التدفق النقدي الإلكتروني".
وتعلّق آن كايرنس، رئيسة "ماستر كارد"، على هذا الموضوع في ضوء الدراسة التي كانت قد أجرتها شركتها في كانون الأول (ديسمبر) 2016، بالقول: "بالنسبة للكثير من الناس، غالباً ما يُنظر إلى مفهوم الإقصاء على أنه مشكلة الأسواق النامية. لكن الدراسة التي أجريناها مؤخراً أظهرت أن هذه المشكلة تترافق مع بعض الأسواق المتطورة بما في ذلك الشرق الأوسط".
وعن مفهوم "الإقصاء"، تضيف كايرنس أن "الإقصاء يؤثر بشكل كبير على نوعية حياة الناس؛ كونه يحرمهم من المزايا الأساسية وحرية الاختيار، بما في ذلك الحماية المتزايدة والانسجام وإمكانية الوصول إلى الاقتصاد العالمي. وحقيقة أن الأدوات والتكنولوجيا متاحة لمن هم بحاجة للإدماج، تبرهن على أن هذه المشكلة قابلة للحل من خلال الشراكات والتعليم والابتكار".
حان الوقت لندرك أن العالم المصرفي ليس متاحاً في كل مكان كما يتخيل المرء، وأن هناك العديد من القطاعات الفرعية من اقتصادات العالم العربي التي ما تزال أمامها فرصة للإسهام في القطاعات المالية. الحقيقة المثبتة التي يمكننا التعويل عليها هي أن الفئات غير القادرة على الوصول للخدمات المصرفية وتلك التي لا تتعامل أصلاً مع البنوك، ترغب بالفعل في تغيير هذا الواقع والاستفادة من خدمات وحلول مصرفية مميزة. والحل من دون شك هو تقنيات الهواتف المحمولة التي اكتسحت عالمنا اليوم.