حقيقة "الضمّ"، وخطاب تجنُّب الواقع..!

وعد رئيس وزراء العدو الصهيوني ناخبيه في كيان الاحتلال بضم غور الأردن ومستوطنات الضفة في حال كسب انتخابات الإعادة. وقبل ذلك اعترفت الولايات المتحدة، عدوة الحرية، بضم الجولان السوري المحتل واعتباره "أرضاً إسرائيلية". وفي الحالتين، كان الرد العربي والدولي هو الاستنكار والإدانة وما شابه. وينتمي هذا النوع من الرد إلى ما يسميه الناطقون بالإنجليزية lip service، بالعربية "خدمة شفوية"، أي كلام فقط.اضافة اعلان
دائماً يستنكر العرب أيضاً استباحة المستعمرين المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، وقصف غزة، ومئات الأعمال التي هي "مصاحب طبيعي" لهذا الاحتلال الوحشي الإحلالي الذي يقيم وجوده على حساب تهجير شعب آخر وقتله وتطهيره عرقياً ما أمكنه ذلك. وبكل المعايير الإنسانية والقانونية –باستثناء المعايير الصهيونية والأميركية المشوهة- يُعتبر الاحتلال الصهيوني لفلسطين غير شرعي، تأسس ويعيش على الجرائم ضد الإنسانية. وفي حين تعتبر الهيئات الدولية الضفة وغزة والأراضي العربية التي احتلت العام 1967 فقط أراضٍ محتلة، وهو شأن غريب في حد ذاته، فإن الفلسطينيين والشعوب العربية وأنصار الحق والمطلعين على حقائق التاريخ، يعتبرون فلسطين التاريخية كلها محتلة.
المهم، لا مشكلة في إدانة تصرفات العدو المحتل وشجبها، فهي تستحق الشجب. لكنّ المشكلة في أن الشجب فائضٌ ولا معنى له، لأنه لا يغيِّر أي شيء من واقع الفلسطينيين ومعاناتهم. وحتى قرارات الأمم المتحدة، والجامعة العربية وأي هيئات دولية بشأن فلسطين، لم ولن تغير شيئاً أيضاً لأنها غير مصحوبة بآليات إنفاذ قابلة للتطبيق. القرارات تذهب إلى الملفات، والإدانات تحبّر الصحف وتشغِّل مذيعي الأخبار. لكن عبثية هذه الإدانات المتكررة لتصرفات الكيان الصهيوني المنفردة تتمثل أكثر ما يكون في أنها تتعامل مع حدَث جديد وكأنه منفصل عن سياقه العام المفرط في الوضوح والواقعية: إن فلسطين كلها، بضفتها وغزتها وعكاها وحيفاها، وكذك الجولان وشبعا، هي مناطق محتلة، وهي فعلياً – بغض النظر عن توصيفاتها- تحت يد جيش الكيان الصهيوني وموضوعاً لإرادته.
ماذا إذن يعني "الضم"، عملياً؟ لا شيء أكثر مما كان فعلياً سوى تغيير التوصيفات. ثمة أرض وأناس تحت الاحتلال قبل الضم، وسيظلون تحت الاحتلال بعد الضم. وسوف تبقى المناطق، وفق القانون الدولي "أراضٍ محتلة"، قبل الضم وبعد الضم. ولو ضم نتنياهو الغور والمستوطنات، فإنها كانت تحت الاحتلال، وستصبح تحت الاحتلال، بغض النظر عما إذا كان اسمها "المناطق الفلسطينية" أو "إسرائيل". وفي الحقيقة، لو ضم الكيان الضفة الغربية كلها وغزة، فإن ذلك فقط سيسمي الأمور بأسمائها، ويعيد كلفة الاحتلال المادية والأخلاقية إلى الاحتلال بدلاً من تصوير الصراع وكأنه بين كيانين مستقلين.
بالنسبة للقدس، التي تُعامل كرمز عربي وإسلامي، فإن من المضحك المبكي استمرار دخول المستوطنين المسجد الأقصى، وكأنها شيء منفصل عن كون المسجد جزءاً من مدينة محتلة، من وطن محتل مدنس ومنتهك كله. ولا يعدو هذا الاستنكار كونه احتجاجاً على دخول أحد غرفة فقط في بيت يحتله بكله وكليلته. كيف يمكن أن يمنعه أحد من دخول كل الغرف والأركان متى وكيفما شاء؟ وكيف يُصورون دخول المسجد وكأنه الشيء المستفزّ فقط في احتلال فلسطين، وكأن الاحتلال لا يستفز كل الوقت؟
الحقيقة، هي أن أي قرارات دولية، أو بيانات أميركية، أو إدانات عربية، أو تصرفات صهيونية، لا تصاحبها آليات عمل تغيّر الواقع على الأرض في الأرض المحتلة، هي كلام للاستهلاك. والواقع على الأرض تصنعه القوة، كما يعرف كل صاحب فؤاد وعينين. وإذا كان ثمة شيء يمكن أن يفيد القدس والمقدسات وفلسطين المحتلة كلها، فهو العمل على تحقيق الأدوات لتحريرها وانتزاعها انتزاعاً من براثن العدو. أما استنكار ضم ما هو مضموم عملياً منذ عقود، فتجنب لمواجهة الواقع وتهرب من ذكر الحقائق والتعامل معها. والحقيقة هي أنه ما دامت أميركا والكيان الصهيوني يمتلكان القوة لتقرير ما يحدث، فإن كلامهما فقط هو الذي له معنى متحقق، وكل ما عداه دخان.
لن يحقق الشِّعر والصراخ والبيانات شيئاً للعرب سوى صرف الطاقة. الحل في فلسطين هو تحريرها، وما خلا ذلك باطل!