حق الدولة

منذ ثورة الشوبك العام 1905 ثم هبة الكرك، ومرورا بالتحاق القبائل في جيش ثورة الحسين بن علي، ثم تأسيس الإمارة، وصولا لانعقاد المؤتمر الوطني الأول العام 1928 في مقهى حمدان بعمان الذي تمخض عنه إعلان الميثاق الوطني، امتلك الأردنيون أهمية الوعي بالدولة ومفهوم السيادة الوطنية، فمن مفرداته "كل انتخاب للنيابة على غير قواعد التمثيل الصحيح لا يعتبر ممثلا لإرادة الأمة" و"كل تشريع استثنائي لا يقوم على أساس العدل ولمنفعة العامة وحاجات الشعب تشريع باطل" و"رفض كل تجنيد لا يكون صادرا عن حكومة دستورية مسؤولة باعتبار التجنيد جزءا لا يتجزأ من السيادة الوطنية..الخ".

اضافة اعلان

ليست هذه مرافعة عن الأردنيين ولا عن الدولة، ولكنها تذكير بأننا لم نكن كما يراد تصويرنا، نرحل أقواما وعائلات إلى مناطق هي أشبه بمعادلة مخيمات الحوثيين نتيجة لتصرف فرد، وجماعة خرقوا القانون مما يؤول إلى دمار أسرة كبيرة، وإنما الغاية هنا التذكير بمصادرة العصبيات لحق الدولة.

الخطير في أمر العنف المجتمعي، هو التجاوز على حق الدولة في العطوة الأمنية وكراهية تدخلها، وحمل فئات السلاح ضد أخرى لمجرد المطالبة، مثلا برخصة بسطة في سوق عام مثل ما حصل الزرقاء أو حرق ممتلكات عامة وخدمية، مثل ما حصل بعجلون وغيرها.

والسلاح يجب أن لا يملك إلا بموجب قانون وقيد، والأردنيون في تاريخهم الحديث رحبوا بفكرة بقاء السلاح بيد الدولة. يخبرنا تاريخنا أنه في يوم الخميس الثاني من أيلول من العام 1920 وقع أهالي قضاء عجلون معاهدة مع المعتمد السياسي للحكومة البريطانية الميجر سمرست في قرية أم قيس بشأن الحكومة العربية الجديدة. وجاء في البند (و) أن "الحكومة الوطنية هي التي لها الحق وحدها في تجريد السلاح وإبقائه بأيدي الأهلين".

 ورد الميجر سمرست على مطالب أحرار الأردن قائلا: "في الوقت الحاضر لا توجد فكرة تجريد الأهالي من أسلحتهم وأما إذا أرادت الحكومة الوطنية في المستقبل فليكن ذلك"! كان الأردنيون والحالة هذه أكثر حرصا من سلطة الانتداب على تطبيق القانون ورفع السلاح، وكان الطلب من قضاء عجلون، الذي زاره مؤخرا رئيس الحكومة في العيد ليتنازل عن حق الدولة ويقرر تعويض الحكومة للمتضررين من أعمال مارسها خارجون على القانون رفعوا السلاح في وجه قوات الدرك وتجاوزوا عليهم، وما ذلك إلا لفقدان القدرة على التواصل مع الناس، ما سيعطي أي عنف مقبل مبرره، ويقودنا لحكم القبائل ويبدد الحلم بدولة القانون. أخيرا، لابد من التذكير بأنه يوم قرر د.معروف البخيت في حكومته كف الاعتداءات على اراضي الدولة في الشمال والأغوار، كان ينحاز لدولة القانون برغم انه قد يخسر شعبيا، ويوم التقى سمير حباشنة بوجهاء إحدى العشائر بوزارة الداخلية لارتكاب مجموعة من شباب عشيرتهم المحترمة أعمالا خارجة على القانون باعتبار منطقتهم خارج القانون كمناطق أخرى، رحب بهم وقدرهم، ثم ذكرهم بأن العشيرة ترفد الدولة في حكم القانون وليس التطاول عليه، حينها طلب الوجهاء مهلة شهر وأعطاهم شهرين لتسليم الخارجين على القانون، ثم لما عجزوا طالبوه بالتدخل، لحظتها صار الموقف بين القانون والخارجين عليه، وليس بين الدولة والعشائر.

يومها كان الحباشنة يتصرف بمنطق الدولة وليس العصبية وكان يرى أن الحفاظ على القانون هو حفاظ على الدولة، وكان يجسد معاني التواصل المسؤول.