حق دونالد المقدس

الرئيس الأميركي دونالد ترامب - (أرشيفية)
الرئيس الأميركي دونالد ترامب - (أرشيفية)

إليزابيث درو*

على الرغم من أن الرئاسة الأميركية كانت تزداد قوة على مر السنين، فقد ظهر الكونغرس في ظل إدارة ترامب أكثر خجلاً وخضوعاً من أي وقت مضى. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن قادة الحزب الجمهوري -الذي يسيطر على كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ- استسلموا للخوف من قاعدة ترامب الانتخابية.

اضافة اعلان

*   *   *

واشنطن العاصمة - قد لا يبدو للوهلة الأولى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يشترك في الكثير من السمات مع دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونج أون. لكن ميول ترامب الاستبدادية تصبح أشد وضوحاً بمرور كل يوم. وفي حقيقة الأمر، أصبحت المقترحات المتعلقة بمساحة السلطة الرئاسية في الولايات المتحدة، التي كان المرء ليعتبرها سخيفة ومنافية للعقل ذات يوم -سواء من الناحية الدستورية أو العرف والممارسات المعتادة- أصبحت تُطرح الآن للمناقشة وكأنها أفكار طبيعية.

ربما وجد كيم في ترامب -أول رئيس أميركي يلتقي بزعيم كوري شمالي (وهي هدية لكيم حتى قبل أن تبدأ المحادثات)- روحاً قريبة منه، على الأقل مقارنة بالرؤساء الأميركيين السابقين. لكن الفزع لا بد أن يسيطر على نفوس الآباء المؤسسين للولايات المتحدة عندما يرون ما آلت إليه الأفكار التي حرصوا على تكريسها في الدستور الأميركي. فقد عقدوا العزم على عدم تنصيب ملك آخر في بلدهم، واعتبروا الكونغرس أكثر أهمية من الرئاسة، فوضعوه أولاً في دستور الولايات المتحدة، مع تحديد السلطات الرئاسية في المادة الثانية. والآن، يستهدف ترامب بشكل مباشر أحد المفاهيم الأساسية في هذا الترتيب: مساءلة الرئيس أمام المواطنين.

على الرغم من أن الرئاسة الأميركية كانت تزداد قوة على مر السنين، فقد ظهر الكونغرس في ظل إدارة ترامب أكثر خجلاً وخضوعاً من أي وقت مضى. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن قادة الحزب الجمهوري -الذي يسيطر على كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ- استسلموا للخوف من قاعدة ترامب الانتخابية. فهم لا يملكون ترف تنفير نحو 30 % إلى 35 % من الأميركيين الذين يدعمونه بحماسة، ويتغاضون عن تجاوزاته الشخصية، ويتحملون إهاناته للخطاب المدني في البلاد، ويفضلون معاملته الوحشية لأسر المهاجرين، ولا يمانعون تسببه في جعل الولايات المتحدة بلا أصدقاء في العالم تقريباً.

تشكل هذه القاعدة نسبة عالية جداً من الجمهوريين الذين صوتوا في الانتخابات التمهيدية؛ حيث يتم اختيار المرشحين لمجلسي النواب والشيوخ. فلا عجب إذن في أن يكون أعضاء الكونغرس من الجمهوريين، الذين يشعرون بالقلق من مواجهة تحدي الانتخابات التمهيدية للحزب، عازفين عن إثارة حفيظة هذه القاعدة الانتخابية التي زرعها ترامب ورعاها. وما دامت هذه القاعدة سليمة، فإنه سيظل محتفظاً بالقدر الأكبر من قوته.

كان العدد القليل من الجمهوريين الذين تحدثوا علناً ضد بعض ممارسات ترامب وانتقدوها بشدة هم من بين العدد الكبير بشكل غير معتاد من النواب الحاليين الذين قرروا عدم الترشح لعضوية الكونغرس مرة أخرى. وقد سئم أغلبهم من النزعة الحزبية العميقة التي ابتليت بها السياسة الأميركية، وشبه الشلل الذي حل بالكونغرس نتيجة لهذه النزعة. لكن مزاعم الرئيس ومطالباته من حيث مدى السلطة الرئاسية أصبحت غير عادية إلى الحد الذي يجعل حتى بعض الجمهوريين المخلصين يشعرون بالقلق الشديد.

في الآونة الأخيرة، تصاعد الغضب من المفهوم الملكي للرئاسة الذي يتبناه ترامب عندما كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن رسائل كتبها محامو الرئيس إلى المستشار الخاص الأميركي روبرت ميولر، الذي يتولى قيادة التحقيقات في قضايا متصلة بإعاقة العدالة والتواطؤ المحتمل بين حملة ترامب الرئاسية وروسيا. وقد استعرض محامو ترامب ادعاءات سلطوية واسعة النطاق، ونشر ترامب على موقعه في "تويتر" موافقته على العديد من هذه الادعاءات -بما في ذلك أن الرئيس يستطيع أن يصدر عفواً عن نفسه، وبالتالي إبطال أي اتهامات قانونية ضده. وبطبيعة الحال، يسارع أولئك الذين يدعون مثل هذه الصلاحية، بما في ذلك ترامب، إلى الإصرار على أنه لن يكون هناك أي سبب لاستخدامها.

في الأيام الأخيرة، تسبب رئيس مجلس النواب الأميركي، بول ريان، الذي كان حتى الآن من مؤيدي ترامب والذي سمح لبعض أفراد زمرته من الجمهوريين باتخاذ إجراءات غير مسبوقة لتقويض تحقيق ميولر، تسبب في إثارة الدهشة في واشنطن عندما أعلن أنه يرى إنه من غير الحكمة أن يتمتع الرئيس بصلاحية إصدار العفو عن نفسه. ويبدو أن ريان كان يعني أنها فكرة سيئة من الناحية السياسية، وليست فكرة سيئة من حيث المبدأ.

الواقع أن ريان، وهو واحد من 44 عضواً جمهورياً في مجلس النواب والذين سيغادرون المجلس بعد هذه الدورة (وربما قبل ذلك إذا ما تمكنت القوى الأكثر تحفظاً والمتوترة الآن من فرض إرادتها)، يكون قد أصدر بذلك إعلان استقلال أكثر جرأة. فقد اتفق مع عضو الكونغرس المحافظ القوي، تيري جاودي، في رفضه لمزاعم ترامب بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي، في أعقاب ممارسة روتينية، طلب من أحد المخبرين أن ينظر في علاقات مريبة بين مساعدي حملة ترامب وأشخاص روسيين مرتبطين بنظام الرئيس فلاديمير بوتن.

من الجدير ملاحظة أن هجمات ترامب المستمرة التي لا تلين على مكتب التحقيقات الفيدرالي، والتي حطمت الحياة المهنية لكثيرين وأحبطت معنويات المؤسسة التي تلعب دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على أمن أميركا، أصبحت تمثل تجاوزاً أكبر مما ينبغي في نظر جاودي. لكن ترامب نجح بالفعل في تخويف نائب المدعي العام الذي يتولى الإشراف على التحقيق في المزاعم حول مشاركته معلومات بالغة الحساسية مع حلفائه في الكونغرس، في ازدراء لكل السوابق. وكان المفترض أن ينتقل كل ما يعلمه حلفاء ترامب إلى البيت الأبيض، مما يقوض المفهوم الأساسي لرقابة الكونغرس على السطلة التنفيذية.

لكن فريق المحامين الذين يدافعون عن ترامب زعموا أن صلاحياته الدستورية تمتد حتى إلى ما هو أبعد من ذلك. فهم يدعون -على سبيل المثال- أن الرئيس قادر على إنهاء تحقيق ميولر في أي وقت ولأي سبب. كما يزعمون فضلاً عن ذلك، أن ترامب، بوصفه مسؤولاً فعلياً عن التحقيق، من غير الممكن أن يعد معرقلاً للعدالة، لأنه من غير الممكن أن يعرقل نفسه. ويصر محامو ترامب على أنه لا يمكن استدعاء الرئيس للمثول أمام هيئة محلفين كبرى -وهو السيناريو الذي يحاولون تجنبه بأي ثمن، من أجل منع عميلهم، الغافل المهووس بالكذب، من الإدلاء بشهادته تحت القسم، وربما مواجهة الاتهام بالحنث باليمين أو شهادة الزور.

لكن الادعاء الأشد غرابة جاء على لسان عمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني، الذي انضم إلى فريق الرئيس بعد كتابة الرسائل إلى ميولر. فقد أكد جولياني أن ترامب كان بوسعه أن يطلق النار على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي ويقتله في المكتب البيضاوي ولا يتم توجيه الاتهام إليه بأي شيء. وكان مقصده من هذا التصريح أن الرئيس لا يمكن توجيه الاتهام إليه، وإنما يستطيع مجلس النواب عزله فقط، وربما تعقب ذلك إدانته من قِبَل مجلس الشيوخ، وهو ما يتطلب ثلثي الأصوات، أو 67 عضواً في مجلس الشيوخ، وهو سقف مرتفع للغاية ولا يمكن معه إقالة الرئيس من منصبه. ولذلك، يركز أعضاء فريق الرئيس الآن على ضمان حصوله على تأييد 34 جمهورياً من أعضاء مجلس الشيوخ لإبقائه في منصبه.

لا أحد من خارج أروقة التحقيق يعرف الأدلة التي جمعها ميولر وما الذي ما يزال يسعى إلى الحصول عليه. وفي الوقت نفسه، يحاول الرئيس تقويض الثقة العامة في التحقيق من خلال مهاجمته بشكل روتيني، في حين يتشاحن مع أقرب حلفاء أميركا ويستعرض التعاطف مع الحكام المستبدين في العالَم.

الواقع أن تصريحات ترامب حول النطاق شبه الملكي لسلطاته لا يحدثنا عن براءته، بل ينبئنا بفزعه ويأسه المتزايد. والآن، ينتظر الأميركيون أن يجهر المزيد من الجمهوريين بالكلام.

 

*هي محرّرة مشاركة في مجلة "ذا نيو ريبابليك". آخر كتاباتها "جورنال واشنطن: تغطية ووترغيب وسقوط ريتشارد نيكسون".

*خاص بـ‘‘الغد‘‘، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".