حكومات تأتي وتذهب والعجز باق

نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، انضمت بشكل أو بآخر، معظم دول العالم المتقدم إلى الدول النامية ليشتركوا سويا في عجز موازناتهم، الذي يعتبر أحد المعايير الاقتصادية والسياسية الذي يتم على أساسه تقييم أداء السلطة التنفيذية التي في سدة الحكم.

اضافة اعلان

ومن هنا نرى الكثير من الحكومات تحاول تخفيض الإنفاق العام ومعالجة هذا العجز لأثره البالغ على استقرار الحكم واستمرار حصولها على ثقة الناخبين وعلى نجاح الحزب الذي تحكم السلطة التنفيذية باسمه في معترك الحياة السياسية.

في أميركا، ورثت إدارة الحزب الجمهوري بقيادة جورج بوش في العام 2000 من إدارة الديمقراطيين بقيادة بيل كلينتون وضعا ماليا ممتازا تمثل بفائض مريح في الموازنة الأميركية الفدرالية، وخلال حقبة حكم الجمهوريين التي امتدت لسنوات ثمانٍ أورثت بعدها الإدارة الديمقراطية الجديدة برئاسة أوباما في العام 2009 عجزا فاق كل التوقعات، بلغ (1300) بليون دولار ويتوقع أن يرتفع ليصل إلى (1750) بليون دولار، كما أورثتها أيضا أزمة مالية داخلية تفاعلت بديناميكية لا مثيل لها لتصبح أزمة اقتصادية عالمية.

وبدأت الإدارة الديمقراطية الجديدة معالجة هذا الوضع الذي يلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي الأميركي والعالمي، وينذر بعواقب فادحة الأثر على الاستقرار العالمي، تمتد آثارها من استقرار سعر صرف الدولار الذي يحمله المواطن العالمي وتحتفظ البنوك المركزية باحتياطياتها الرسمية به، إلى قدرة الحكومات على المحافظة على استقرار عملاتها المحلية وما يتبعه أيضا من قدرتها على البقاء.

وكان من أول قرارات الرئيس الأميركي بهذا الخصوص طلبه من وزاراته العمل على تخفيض نفقاتها وتوفير 100 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر، ثم بدأ معركته الحقيقية الأخرى بهذا الخصوص وقرر اقتطاع مبلغ 17 بليون دولار من مشروع الموازنة للعام 2010 التي يعتزم تقديمها للسلطات التشريعية الأميركية وذلك من خلال وقف أو تخفيض موازنة 121 مشروعا حكوميا، مثل برنامج التعليم المبكر، وبرنامج نظام قديم للملاحة وبرنامج دائرة التعليم في السفارة الأميركية في باريس وبرنامج تنظيف المناجم، إضافة إلى تخفيض الإنفاق العسكري وبرامج وزارة الدفاع.

والملاحظ هنا أن رئيسة مجلس النواب الأميركي بأغلبيته الديمقراطية أصدرت توجيهاتها إلى رؤساء اللجان في المجلس للتقدم باقتراحاتهم لمزيد من التخفيضات.

أما في بريطانيا، وتحت ضغط وزارة الخزينة التي تعاني من تفاقم العجز أيضا، فإن الحكومة تفكر بإلغاء طلبيتها من الجيل الجديد من الطائرات المنوي إنتاجها بالشراكة مع ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، كما تفكر بالانسحاب من البرنامج.

أردنيا، وبالعودة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة في العام 1989، والتي كان أحد أسبابها الرئيسية استمرار الإنفاق الحكومي من دون ضوابط، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة اقتراض الخزينة من البنوك في السوق المحلية ومن الأسواق الخارجية وعلى المكشوف من البنك المركزي الأردني الذي سمح لها بذلك، ما استنفد احتياطات المملكة من العملات الأجنبية، والذي أدى بدوره إلى انخفاض حاد لسعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية، ووضع البلد على حافة انهيار اقتصادي وأمني وهبة شعبية في نيسان (ابريل)، عرضت استقراره للخطر وأجبرته على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي قدم وصفاته المعروفة، التي تحمل الجميع أعباء برامجها التصحيحية واحدا تلو الآخر.

أين نحن الآن من أزمة عام 1989؟ عقلية الإنفاق العام ما تزال كما كانت دون تغيير يذكر، "اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب"، ووتيرة اقتراض الخزينة في تصاعد، ومن السوقين الداخلية والخارجي، وانكشاف حساب الخزينة الموروث من العام 1989 ما يزال قائما بعد عشرين عاما؟؟.

حكوماتنا ليست برلمانية ولا تمثل أحزابا تسعى للفوز بثقة الناخبين، ولا تملك برامج عمل اقتصادية أو سياسية لينتخبها المواطن على أساسها، ولا تستند إلى فكر أيديولوجي أو إلى دعم طبقة اجتماعية معينة تسعى إلى تحقيق أحلامها، وعلى الرغم من تدوير أسماء أعضائها بطريقة تذكرنا بقواعد السحر، إلا أنها اتفقت جميعها على الاستمرار بالإنفاق العام.