حكومة الرزاز.. والأزمة العامة

لن يعجز معارضو حكومة الدكتور عمر الرزاز ولا مؤيدوها عن العثور على مؤشرات ونتائج تدعم محاججة كل منهما، كل من زاوية نظره، في قراءة وتحليل نتائج استطلاع الرأي العام التي أعلنها أمس مركز الدراسات الاستراتيجية لمناسبة مرور عام على تشكيل الحكومة، فأمام عدد من النتائج السلبية بالتقييم من قبل الرأي العام وقادة الرأي للحكومة وادائها ثمة نتائج يمكن أن تحسب تقدما أو على الأقل استقرارا أو تراجعا طفيفا يمكن أن يصنف "قيمة استهلاك" طبيعية مع الزمن! اضافة اعلان
القراءة الاجمالية والعامة للاستطلاع تكشف بوضوح التراجع اللافت بمستوى الثقة الشعبية بالحكومة، رئيسا وفريقا وأداء، وهو تراجع لم تنج منه حكومة سابقة بعد مرور عام على تشكيلها، وان بدرجات متفاوتة على مدى استطلاعات الرأي للمركز التي تناولت جميع الحكومات في العقدين أو الثلاثة الماضية.
لكن قد يكون اللافت هنا؛ أن الاستطلاع أظهر، ربما بخلاف استطلاعات الحكومات الماضية بعد مرور عام على تشكيلها، ارتفاع نسبة الأردنيين الذين يرون أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح إلى 39 % مسجلة ارتفاعا بمقدار 5 نقاط عن استطلاع المائتي يوم، وهو ارتفاع أيضا سجل مع قادة الرأي (41 %) لكن بفارق 3 نقاط عن الاستطلاع السابق، ما يعكس –ربما- تزايد مساحة الأمل بالمستقبل حتى لو كانت النسبة ما تزال منخفضة مقارنة بالمتشائمين.
طبعا؛ الاستطلاع ذاته يفسر بوضوح استمرار ارتفاع نسبة التشاؤم بين الأردنيين من سير الأمور بالاتجاه الصحيح، حيث يتصدر اسبابها الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ ومن ثم وجود الفساد المالي والإداري والواسطة والمحسوبية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدني الأجور ووجود نسب عالية من البطالة، يضاف لذلك غياب الإصلاح وأن قرارات الحكومة ليست لمصلحة المواطن.
المؤشر المهم والخطير الأخر بهذه العجالة، هو في ثبات نسبة ثقة الأردنيين وايضا ثقة قادة الرأي بقدرة الرئيس الرزاز وفريقه على تحمل مسؤولياتهم بالمرحلة السابقة مقارنة باستطلاع المائتي يوم، ورغم عدم تراجع النسبة وثباتها، فإن ذلك لا يعد مؤشرا إيجابيا برأيي حتى لو اختلف وضع هذه الحكومة عن سابقاتها على هذا الصعيد، فالأصل أن اداء الحكومة يجب أن يتقدم وأن تظهر نتائج برامجها ووعودها الايجابية على الأرض بحيث يرتفع مؤشر الرضا والثقة بقدرة الحكومة، خاصة في هذه المرحلة الحساسة والصعبة التي نعيشها، وبناء على حجم الآمال التي بنيت على حكومة الرزاز وشخصية رئيسها عند تشكيلها.
الثابت الأساسي الذي خرج به الاستطلاع، بل وكل الاستطلاعات الأخيرة على مدى العقدين الماضيين، هو أن الوضع الاقتصادي والمعيشي واستحكام مشكلة البطالة وارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي واتساع رقعة وحدة الفقر هي التي تشكل عصب الأزمة الرئيسية وطنيا وأنها كانت وستبقى التحدي الرئيسي للحكومات والهم الأساسي المباشر والملموس للناس. صحيح أن هذه الحكومة اتخذت سياسات وإجراءات وقرارات اقتصادية ومالية ايجابية، طبعا كما اتخذت قرارات سلبية وقاسية عمقت الأزمة كما في اقرار قانون ضريبة الدخل المعدل، لكن قراراتها الايجابية عجزت أو لم تثمر حتى الآن عن نتائج ملموسة على الأرض بالنسبة للناس.
كذلك، فإن هذا الأمر يؤكد مرة أخرى أن المشكلة الرئيسية هي في النهج الاقتصادي المعتمد، وهو نهج ما تزال حكومة الرزاز متمسكة به رغم محاولاتها وقراراتها التي تحاول من خلالها التخفيف من وطأة هذا النهج اجتماعيا واستثماريا، ما يفرض اليوم ضرورة التوقف جديا لمراجعة هذا النهج والذهاب لخيارات أخرى يتم التوافق عليها وطنيا مع المعارضين قبل المؤيدين.
والتركيز على البعد الاقتصادي والمعيشي للازمة المستحكمة وطنيا، لا يعني بحال التغاضي عن أس الأزمة وجوهرها، وهو الجانب السياسي، فالسياسة هي التي تدرس الخيارات وتتخذ القرارات والسياسات والنهج الاقتصادي، والإصلاح الاقتصادي والسياسي هو الحل، ومفتاحه تعزيز المشاركة الشعبية بالقرار عبر إصلاح سياسي حقيقي.