حكومة العمى السياسي

ترى حكومة الدكتور فايز الطراونة الأزمة الاقتصادية بشكل واضح، وتحذر من سياسات دفن الرأس في الرمال، والاستمرار في تجاوز الخطوط الحمراء لعجز الموازنة العامة للدولة، وتكشف عن خطأ الافتراضات التي بنيت عليها الموازنة، وتعلن بصوت عال بأن المساعدات الموعودة لدعم الاقتصاد الأردني لم يصل منها الا النزر القليل.اضافة اعلان
كل الأردنيين يعلمون بالأزمة الاقتصادية، ولا أحد ينكرها، ويتفهم الناس الدعوات لسياسات شد الأحزمة، ومستعدون أن يضحوا ويفعلوا ذلك، لو اقتنعوا أن الحكومات التي تدير الشأن العام تتصرف بحكمة، وتحافظ على المال العام، وأنها أول من يلتزم بضبط الإنفاق والتقشف.
المواطن هو الحلقة الأضعف وهو "البقرة الحلوب" التي تلجأ الحكومة لها لتخفيض عجز الموازنة، فترفع أسعار السلع، والمشتقات البترولية، وتزيد من الضرائب، في حين أن الفساد الكبير الذي حمّل الدولة مئات الملايين يغض الطرف عنه، ويحصن تحت قبة البرلمان من المساءلة القضائية!
هذه هي المعادلة التي تدفع المواطنين لرفض سياسات الحكومة في تحميل الأردنيين ثمن أزمتهم الاقتصادية، فهم في الاساس ليسوا شركاء في النتيجة التي وصلت لها البلاد. هم مغيبون عن صناعة القرار وآخر من يعلم، ولهذا من حقهم أن يطلقوا حملاتهم على الفيس بوك ليقولوا لحكومة الطراونة نحن لسنا "البقرة الحلوب"، وأن يعلنوا مسبقا رفضهم لرفع الأسعار، لأنهم في الغالب مسحوقون وأصبحوا على "الحديدة" كما يقال في العامية!
والشيء المؤلم أكثر أن الحكومة الحالية بقيادة الطراونة ترى الأزمة الاقتصادية وتتحرك لمواجهتها، وللأسف لا ترى الأزمة السياسية وتبدو مسترخية، وكأننا أنجزنا عملية الإصلاح السياسي وصنعنا توافقا وطنيا، ولا تلمح الحكومة بأننا نواجه انسدادا في مسار الإصلاح.
قلت لرئيس الحكومة في لقائه الأسبوع الماضي مع الصحفيين بأن الأردنيين مستعدون أن يدفعوا ثمن الإصلاح الاقتصادي لو شعروا ولمسوا أن هناك تقدما في الإصلاح السياسي، ولا اعتقد أنهم مستعدون للإصغاء إلى الشروحات والمبررات لأزمتنا الاقتصادية، وهم يشاهدون أننا نتراجع للوراء في الإصلاح السياسي، فحرية التعبير والإعلام مهددة وتحت الضغط، وقوانين بناء الديمقراطية والحياة السياسية في مهب الريح، وليس أدل من ذلك المصير الذي وصل إليه مشروع قانون الانتخابات، والأصوات المطالبة بالعودة للصوت الواحد بعد الدمار الذي خلفه في حياتنا السياسية والبرلمانية.
لاتبدو الحكومة الانتقالية في وارد تعديل المسار لاستعادة اللحظة التاريخية لبناء تجربة إصلاح سياسي مختلفة في الأردن، ويبدو أن المطبخ السياسي في الدولة مطمئن بأن تجربة الثورات والربيع العربي قد انتهت، وأن ما أنجزناه يكفي وأكثر، وأن المجتمع الدولي، أميركيا وأوروبيا، لا يلاحقنا ولا يضغط علينا، والرتوش الباقية لتحسين الصورة الديمقراطية بإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة كافية جدا.
لذلك لا يعبأ أحد الآن بصورة الأردن، ولا بتداعيات اعتقال صحفي أو ناشطة حقوقية، ومحاكمتهما أمام محكمة أمن دولة. ولا تكترث الحكومة بمخرجات لجنة الحوار الوطني لقانون الانتخابات، وتعود لتبدأ من نقطة الصفر، وكأننا لم نفعل شيئا طوال أكثر من سنة، وأصبح الحديث عن أهمية مشاركة كل القوى السياسية في الانتخابات وعلى رأسها الاسلاميون همسا لا قيمة له ومن الماضي، فمن يريد أن يشارك وفق القواعد واللعبة التي تضعها الحكومة فأهلا وسهلا به، ومن لايرغب فليصمت، أو يشرب ماء البحر الميت ليموت عطشا.
تفتح الحكومة عينها على الأزمة الاقتصادية وهذا جيد، ولكنها تغمضها عن أزمة سياسية تمتد وتكبر، وأخاف ان نعجز عن التصدي لها وحلها.
ما أخشاه أن حكومتنا مصابة بعمى سياسي!

[email protected]