حكومة الكوبونات

سلامة الدرعاوي آخر صرعات الحكومة في موضوع الإصلاح السياسيّ ومأسسة العلاقة مع السلطة التشريعيّة هو منح السادة النوّاب قسائم شرائية "كوبونات"، لتوزيعها على المحتاجين في دوائرهم الانتخابية. بموجب آلية الإصلاح السياسيّ الجديدة التي ستسجل ضمن حقوق الملكية الفكرية لحكومة الدكتور بشر الخصاونة سيتلقى كُلّ نائب 150 قسيمة قيمة كل منها 35 دينارا. غريب ما يحدث فعلا ويثير الدهشة، في الوقت الذي ينادي جلالة الملك بالنهوض بعمليات الإصلاح السياسيّ بين مؤسسات الدولة، والذي كان واضحاً في الأوراق النقاشية الملكية، إضافة إلى خطاب العرش، تجد بعض التصرفات الحكوميّة تسير عكس ذلك، وتعيدنا إلى المربع الأول في التخلف السياسيّ المبني على نظام الأعطيات في العلاقة مع السلطات الأخرى. من هي الجهة التي أشارت على الحكومة بمنح النوّاب "كوبونات رمضانية" لتوزيعها على المحتاجين من أبناء دوائرهم الانتخابية؟. لا شك أنها جهة أرادت شراً بهذه الحكومة ومجلس النوّاب، وأوقعتها في فخ لا يمكن الخروج منه وهو ضرب مصداقيتها في العمق هذه المرّة، فمن يسمع خطاب الثقة لرئيس الوزراء يجد أن الحكومة والنوّاب سيكونان ندين في التسابق لخدمة المصلحة العامة، من خلال الاشتباك الإيجابي. يبدو أن الحكومة فهمت موضوع الشراكة مع النوّاب خطأ، فالشراكة لا تعني تنفيذ سياسة الأعطيات، بل هي محاكاة التشريع والرقابة بالشكل الدستوري الذي يفصل السلطات عن بعضها البعض، ويعزز الدور المطلوب من كُلّ جهة على حدة. لا ألوم النوّاب على قبولهم هذه الأعطيات التي قد يرى الكثير من المراقبين أنها تدخل تحت باب الأعطيات أو المنح أو حتى الرشوة، وهو سلوك مشين بكل المقاييس من الحكومة والنوّاب معاً، الحكومة أقدمت على هذا العمل غير المسؤول، والنوّاب الذين قبلوا هذا الأمر، وهم يعلمون جيدا أن أكبر تحدٍ أمام السلطة التشريعية هو استعادة هيبتها ومكانتها في الشّارع، بعد سنين من تردي صورتهم لدى المواطنين حتى من انتخبوهم أنفسهم. لا أجد تفسيرا لتصرف الحكومة وسياسة الكوبونات إلا أنه سلوك متعمد لتشويه أكثر لصورة النوّاب في الشّارع وفقدان الثقة بالسلطة التشريعية التي واجبها الأساسي هو التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية لا توزيع كوبونات على المحتاجين. معقول أن تكون أجهزة الدولة المعنية بالعمل الاجتماعيّ ومساعدة الفقراء عاجزة عن الوصول لتقديم مساعدات لـ 285 ألف أسرة، وهي تستعين بالنوّاب لمساعدتها للقيام بذلك؟. الأصل أن تباشر أجهزة الحكومة ممثلة بوزارة التنمية الاجتماعية ومؤسساتها التابعة لها بالمباشرة بتوزيع المساعدات من خلال أدواتها التنفيذية، مستندة بذلك على قاعدة بيانات لديها عن تلك الشرائح الاجتماعية المحتاجة بدلا من توظيف الحاجات المعيشية للمحتاجين والفقراء لأغراض انتخابية بوضعهم تحت مظلة النوّاب. تصرف حكومة الكوبونات بهذا الشكل مع النوّاب والوصول بالعلاقة بين السلطتين إلى هذا المستوى الخطير يؤطر مباشرة نظام الأعطيات بشكل مؤسسي هذه المرّة، ويلغي أي تبرير رسمي بعدم قبول طلبات النوّاب بالتعيينات أو غيرها من الطلبات التي عادة ما يلجأ إليها النوّاب في علاقتهم مع الوزراء في اجتماعاتهم المختلفة والتي تمتد من التعيينات حتى الترفيعات والتنقلات وغيرها من أشكال الفساد الإداري والمحسوبيات والواسطات التي أفقدت المجتمع ميزان العدالة. أخيرا، واضح أن سياسة الكوبونات هي سياسة رديفة لمسألة الإصلاح السياسيّ بإدارة وزير التنمية السياسية الذي يشغل منصبه منذ 2009 ولغاية يومنا هذا، وهذا يسجل في سجله الحافل بتطوير بيئة الإصلاح السياسيّ في البلاد واختراع أدوات ديمقراطية قد لا تجدها سوى لدينا فقط لا غير، فهذا الذي خرج به علينا بعد 12 عاما من إدارة ملف الإصلاح السياسي، هنيئاً للحكومة والنوّاب بكوبونات رمضان، ورمضان كريم.اضافة اعلان