حكومة الملقي بين الثقة الكاسحة وقلق المفاجآت

يبدأ اليوم الأحد ماراثون الثقة بحكومة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي، بعد أن قدّم رئيس الحكومة بيان ثقة مطولا للبرلمان.
ليس مستغرباً أن ينبري أحد النواب بالدعوة للتصويت فوراً بالثقة بحكومة الملقي حتى لا يضيع الوقت بخطابات لن تغير من الواقع شيئاً، فهو يعرف أن البرلمانات الأردنية المتعاقبة منذ 1989 لم تحجب الثقة عن حكومة.اضافة اعلان
ولكنها الدورة الأولى من عمر مجلس النواب الذي شهد رهانات واسعة عليه ليرمم صورة البرلمان عند الشارع، خاصة بعد إلغاء الصوت الواحد، وعودة الإسلاميين عن المقاطعة ومشاركتهم الواسعة في الانتخابات، فهل يمكن أن تشهد جلسات الثقة مفاجآت نيابية عدا عن الكلمات النارية؟
أكثر المراقبين يعتقدون أن مهمة حكومة الملقي ميسرة، ولن تواجه أزمات، ولن تحتاج الى التدخلات لإسنادها وإنقاذها، والقناعة الراسخة أن الأغلبية البرلمانية التي برزت صورتها بانتخابات رئاسة المجلس والمكتب الدائم واللجان ووزعت السيناريو وقسمت الحصص هي الضمان الأساسي لتحظى الحكومة بالثقة.
منذ إعلان نتائج الانتخابات تحدثنا عن كتلة نيابية مضمونة ستكون أقرب لتوجهات الحكومة وسيتراوح عددها بين 90-100 نائب، في حين أن المعارضة المنظمة لن تتجاوز 20 نائباً وفي بعض القضايا الإشكالية والتي لا تحظى بالشعبية مثل رفع الدعم عن السلع أو اتفاقية الغاز قد تتوسع لتصبح بين 30 الى 40 نائباً.
سيناريو آخر يطرحه قلة من المتابعين، يتوقعون فيه أن لا تحظى حكومة الملقي بثقة جارفة تتعدى 100 صوت، بل على العكس فإنها ستواجه اختباراً صعباً، ويذكّرون بقصة حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي التي حصلت على الثقة بشق الأنفس، ولم تحصد سوى 40 صوتاً من أصل 80 نائباً وبعد أن تدخّل لإنقاذها القصر في اللحظات الأخيرة في عهد الملك الحسين.
أصحاب هذا السيناريو يرون أن خطاب العرش كان مختصراً حتى لا يوفر حماية للحكومة، وتضطر لتقديم برنامجها التفصيلي الذي ستحاسب على أساسه، أي أن زمن الاختباء خلف خطاب العرش قد ولّى، وهذا السيناريو يعيد الاعتبار لصورة مجلس النواب وربما يساعدها على بناء قاعدة من الثقة مع الشارع؟
قناعتي أن الحكومة ستفوز وستستمر طويلاً مثلما حدث مع حكومة النسور، وهذا أمر جلي في خطاب العرش وفي بيان الثقة الذي يتحدث عن مدد طويلة جداً.
الصورة الكلية لبيان الثقة لحكومة الملقي جيد، فهو تحدث عن ستة محاور أساسية من بينها الإصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والإداري، والخدمات، والسياسة الخارجية، ومع أنه عرض الكثير من التفاصيل للحالة الراهنة، فإنه لم يقدم خريطة طريق ملموسة للحلول، والأهم أنه لم يقدم أجندة زمنية ومؤشرات قياس ملموسة سنوية يمكن مساءلة الحكومة عليها.
ففي الإصلاح السياسي مثلاً استند بيان الثقة على الأوراق النقاشية الست التي قدمها الملك، ولم تقل لنا الحكومة كيف سترسي دعائم دولة القانون، ولم تشخص الواقع الحالي للإصلاح السياسي، فهل نحن بعد السنوات الأولى من الربيع العربي مضينا في طريق الإصلاح أم تعثرنا؟
وبالتأكيد فإن الحكومة منشغلة أكثر بملف الاقتصاد، فلا أحد يُذكّر الحكومة الآن بأولوية الإصلاح السياسي، ولكن حتى في الاقتصاد فإنني لم أعرف كيف ستتعامل الحكومة مع ملف التهرب الضريبي، ولم أفهم ما هي الخطوات التي ستتخذها لمواجهة قضية اللجوء السوري خاصة وأن المجتمع الدولي لم يلتزم حسب البيان إلا بـ 40 % من كلفة إيواء اللاجئين، هذا عدا عن تهربه من إعلان موقف صريح من اتفاقية الغاز مع إسرائيل في ضوء تراجع أسعار البترول الآن؟
كنت أتمنى على رئيس الحكومة لو قدم بياناً وزارياً مختصراً مرفقاً بخطة تنفيذية بها أهداف محددة ومرتبطة بأجندة زمنية ومؤشرات قياس قابلة للتحقيق والتطبيق، بدلاً من الحديث عن أحلام مشاريع سكك الحديد دون أن نملك الموارد المالية لتحقيق ذلك، ودون أن نعرف كيف سنوفرها في زمن يضيق فيه الحصار على الدول، وتواجه الدول الغنية حالة تعسر، والدول العظمى تشهد انقلابات في إدارتها ورؤيتها للعالم.