حكومة "ترفض" المحاسبة!

ما السر وراء إحجام الحكومة عن محاسبة المقصرين ممن فشلوا في التعاطي مع الملفات المناطة بهم كل في موقعه، رغم امتلاكها ضوءا أخضر من أعلى المستويات بضرورة اتخاذ إجراء بحق مثل هؤلاء ممن لا يؤدون أدوارهم الوظيفية على أكمل وجه.اضافة اعلان
أليس الخراب والدمار الذي لحق بالوطن والمواطن جراء حالة الطقس التي شهدتها المملكة مؤخرا سببا كافيا ووجيها لأن يتم اتخاذ إجراءات عقابية بحق مسؤول واحد على أقل تقدير لتقصيره وإهماله؟، لماذا لم يلجأ رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز إلى إقالة المسؤولين المقصرين بعد أن تلكأ أولئك عن تحمل مسؤولياتهم، ولم يبادروا هم بأنفسهم إلى الاستقالة؟.
ظاهر الأمر أن أصحاب المناصب والكراسي أكبر من أن يوجه لهم اللوم على تقاعسهم، لذلك أصبحوا مطمئنين آمنين لا تعنيهم صيحات وآنات المواطنين، فالمنصب الذي يتربعون فوقه لا تطاله قوانين، ولا يتأثر بالدعوات التي تطالب بمحاسبة الجالسين فيه، فهم للأسف في حضرة حكومة سرعان ما تضع رأسها في رمال التردد، وتضيع وسط المحاباة وعدم القدرة على اتخاذ القرار.
ما تعرض له الأردن، وتحديدا عمان جراء فشل البنية التحتية في استيعاب تدفق المياه كفيل بأن يطيح بحكومة بأكملها، وهذا إجراء حضاري تلجأ إليه الدول في مختلف أنحاء العالم لأنها تعي جيدا أنها السلطة التنفيذية، وأنها هي الجهة المسؤولة عن إدارة البلاد بترابها وشعبها، وأن عدم إتمام مهامها يعني أن سبب وجودها قد انتفى.
رئيس الوزراء زار وسط البلد فور وصوله من بريطانيا، وتفقد الأمور على الأرض، وشاهد بأم عينه الخسائر الفادحة التي تعرض لها التجار، كما اطلع على أحوال الشوارع والمحلات والمباني والآثار، وكلها لم تسلم من غضب الطبيعة، وساهم في زيادة العبء عليها إهمال أمانة عمان التي تبدع وتتفنن في عصر المواطن وخنقه بالضرائب والمسقفات والرسوم والغرامات والمخالفات.. ويا ليتها تجيد خدمته.
"سنتحقق" كلمة أطلقها رئيس الوزراء خلال زيارته، وهي كلمة لا تختلف في مضمونها وإطارها عن الحديث عن تشكيل لجان عند الهروب من المسؤولية، فوضع وسط البلد لا يحتاج للتحقق كخطوة أولى، بل إلى قرار جريء وسريع ومباشر يقضي بإقالة المسؤول عما حدث، وبعد ذلك يأتي دور التحقق الذي يجب أن يهدف إلى وضع إطار للمشكلة بعد دراستها هندسيا وفنيا، ومعرفة مواطن الخلل، ومن ثم توفير استراتيجية شاملة لحلها لضمان عدم تكرارها لاحقا.
سياسة التخدير التي تتبعها الحكومة باتت "مملة"، فعملية التحقق من إدارة أزمة الأمطار ستطول وتطول حتى يأتي ما ينسي الناس ما حدث، وينشغل الأردنيون بملفات جديدة. وللتذكير فإن المواطنين ما يزالون بانتظار نتائج عملية التحقق في تفاصيل تعيينات أشقاء النواب!.
الحكومة مطالبة بأن تكون أكثر جرأة بصفتها صاحبة الولاية العامة، وأن تدرك أن الخوف والتردد في اتخاذ القرارات التي تشفي غليل المواطن يدفع بها نحو مزيد من الهاوية، فالمجاملة والمحاباة في مثل هذه المواقف لن تزيد الأمر إلا سوءا.
اعتراف الحكومة بتقصيرها لا يشكل ضعفا أو هزيمة ولن يعيد لتجار وسط البلد خسائرهم، ولن يحول دون غرق عمان مجددا إذا ما هطلت الأمطار في أي لحظة، لكنه كفيل بأن يطمئن سكان هذا الوطن بأنهم يعيشون في كنف دولة مؤسسات لا دولة أفراد!.