حكومة جديدة


تجارب الحكومات المتعاقبة اوجدت لدى المتابعين والناس مجموعة من المعايير والمقاييس التي يمكن من خلالها اعطاء وجهة نظر في اي حكومة جديدة, وهذه المعايير لا تحرم اي حكومة من حقها في اخذ فرصتها, لكنها تحفظ للتجارب السابقة قيمتها ودلالاتها.

اضافة اعلان


فأول شروط الحكومة "المعقولة" ان تكون سلطة تنفيذية حقيقية وفريقا سياسيا تتوفر في اعمدته الاساسية مواصفات السياسيين, وفي بقية الفريق الحد الادنى من الخبرة والتجربة والافق السياسي, اي ان تكون حكومة للدولة الاردنية وليست طاقما اداريا, وان يكون افرادها وزراء بالمفهوم السياسي للوزير وليسوا موظفين كبارا برتبة وزير, وقد كانت مشكلة العديد من الحكومات انها كانت تضم غالبية من الموظفين وليس الوزراء, والمشكلة الكبرى اذا كانت كفاءات وتركيبة الرئيس تصل في حدها الاعلى الى رتبة مدير حكومة وليس رئيس وزراء الحكومة اعطاها الدستور حق الولاية العامة.


فالحكومة السياسية لا تتعارض مع توفر الخبرات الفنية والتكنوقراط, لكن الحكومات ليست تجميعا لخبراء في التربية والصحة والاتصالات وشؤون الطفل والمرأة.. والحكومات لادارة وطن بمعادلاته السياسية والاجتماعية ومواجهة المشكلات الداخلية والخارجية, والا لكان اسناد الامر الى شركة خدمات افضل من تشكيل حكومات, فالوزير حالة سيادية وليس مدير مشروع تطوير.


اما المعيار الثاني فهو ان لا يتعب الناس في البحث عن الاسس والمعايير التي جاءت بفلان وزيرا, وبعلان وزيرا, اي ان يكون مفهوما لماذا اسندت حقيبة الخارجية لهذا, وحقيبة الصحة لهذا, وهذا يعني تقليل نسبة اللجوء الى التحزير في فهم تولي البعض لمواقعهم.


يضاف الى هذا ان لا تتكرر تجارب شجرة العائلة وعلاقات النسب او الولاءات التاريخية في الساحة السياسية, او ان يكون لقانون الوراثة السياسية مساحة في اسس التعيين, فاذا تكررت تجارب توزير العديل وابن الاخت, وابنة الصديق وغيرها من المعايير، او جاء ابن الوزير وزيرا ، وابن الرئيس الاسبق او السابق بحقيبة بينما اقرانه حتى ممن يماثلونه في الكفاءة يبحثون عن قرض لشراء سيارة بمحرك صغير, اذا حدث هذا فاننا نُفقد اي تشكيل قيمته الوطنية العامة ونحوله الى هيئة محدودة, جاءت لتصنع وزراء وليست لادارة موارد او حل مشكلات.


ومشكلة كل الحكومات ان عوامل واسباب فشلها تأتي من داخلها, فغياب لغة الفريق الواحد, ووجود ارضية للغيبة والنميمة الداخلية, وضعف القدرات التي تجعل الحكومة تصنع ازماتها وتورط نفسها فيها, كل هذا اودى بحكومات عديدة قبل ان تأتيها المشكلات من خارجها, ولهذا فان قدرة اي رئيس على تشكيل اي حكومة قليلة الدهون السلبية تحقق له فرصة في تجنب المشكلات الداخلية, فبعض الحكومات لم تكن بحاجة الى اكثر من عدة اشهر حتى بدأت في دفع ثمن وضعها الداخلي.


وفي الطاقم الوزاري هناك اسماء ذات تجربة سابقة, وهذه قد يكون لها اداء غير ايجابي في مواقعها, لهذا فان تجربة المجرب, واعادة استخدام من لهم سجل غير ايجابي يعطي مؤشرا سلبيا على الاداء القادم, وهناك وزراء خدموا طويلا في حكومات وقدموا كل ما لديهم فإعادتهم تعني غياب القدرة على التجديد والانتاج, وهنالك من لم يقدموا شيئا بل وصنعوا اجواء سلبية في حكوماتهم فإعادتهم تعني توقع ما هو سلبي.


لن نتوقف عند الورق والبيان الوزاري او الرد على كتاب التكليف, فالاوراق ليست هي المعيار, واحيانا تذهب كلها الى الادراج فلا يقرؤها حتى طاقم الحكومة, ولهذا فلا يصنع التفاؤل او التشاؤم من تقييم الكلام الجميل والحديث عن الخطط والاستراتيجيات والاصلاح ومحاربة الفساد, فهذا تقوله كل الحكومات ولا تفعله او تفعل منه القليل.


هذه المعايير نقدمها والجميع يعرفها بعيدا عن الاشخاص والاسماء, وبعيدا عن المبالغة في فهم دلالات قد لا يعرف عنها سوى من يتعب نفسه بالتحليل, ووفق هذه المعايير التي يتداولها الاردنيون يمكن اجراء تقييم اولي للحكومة الجديدة.


واخيرا فان ما يلفت في قدوم الحكومة الجديدة ان رئاسة مجلس النواب والسادة النواب علموا بالخبر مثلما علم الناس, او ربما مع فرق توقيت ببضع ساعات, وهذا امر متوقع فعندما تنشغل السلطة التشريعية بالحديث فقط عن دورها السياسي بينما شغلها الحقيقي امتيازات ومفاوضات مع شركات السيارات وسفر بعيد وقريب, وعندما تغيب القوة السياسية للمجلس يكون الطبيعي ان يتساووا مع بقية المواطنين في الجلوس عند الهواتف يسألون عن اسماء المستقيلين والقادمين.