حلم أبو غوش!

يستحق البطل أحمد أبو غوش هذا الاحتفال الشعبي والتكريم الجماهيري على الإنجاز الكبير الذي حقّقه بأقلّ قدر ممكن من الدعم الرسمي ومن الإمكانات المتوافرة. لكنّ التحدي الحقيقي هو قدرتنا -دولة ومؤسسات وطنية- على توفير الشروط المطلوبة لاستمرار تألّق هذا الشاب وتطوّره، ليبقى بطلاً عالمياً يمثّل الأردن.اضافة اعلان
الهاجس الذي يحكمني، وأظنّه لم يأتِ من فراغ، يتمثل في أنّ غالبية المسؤولين لدينا يتعاملون مع الانتصار التاريخي الذي حققه أبو غوش، بمنطق اللحظة الراهنة، وبالنفس القصير المعتاد؛ من دون أن يؤسسوا على هذا الانتصار "رؤية نقدية" لتطوير لعبة التايكواندو أو الألعاب الأخرى المتنوعة، ولتحقيق إنجازات أخرى متراكمة، والأهم من هذا وذاك في "الرواية الإعلامية" ليصبح أحمد نموذجاً ملهماً لجيل الشباب والفتيان في إمكانية تحقيق النجاح العالمي والإنجاز، في حال توافرت الإرادة والتصميم والتدريب والبيئة المناسبة.
لدينا في الأردن شحّ شديد في "القدوات" أو الملهمين! بل بعبارة أدق، في استثمار هذه القدوات والنماذج الملهمة، وفي إنتاجها والحفاظ عليها. ففي كل مجال يمكن أن نجد هذه النماذج؛ في الطب والهندسة والرياضة والفن والأدب وقطاع الأعمال، لكن هؤلاء مغيّبون منسيون، لا يوجد تصور في التعامل مع هذه النماذج سياسياً وإعلامياً ومجتمعياً.
بل يكاد يصبح معروفاً عنّا -في الأردن- أنّنا لا نحتمل رؤية المبدعين والنجوم لفترة طويلة؛ فإمّا ندفعهم إلى الهجرة إلى بلدٍ آخر، أو نقضي على مواهبهم عبر التجاهل والإنكار، حتى أصبح يطلق على الأردن "مقبرة النجوم"، إذ لا نحتفل بهم إلا قصيراً، ولا نعرف كيف نطوّر آليات استمرارهم وتطورهم، ولا تكريمهم واحترامهم بعدما يتقاعدون أو يمرون بأوقات صعبة وعصيبة!
مثل أحمد هناك آلاف الشباب الأردنيين، الذين يمكن أن يبدعوا وينجزوا ويقدّموا "النموذج". لكنّ الظروف والسياسات والبيئة المحيطة، كل ذلك يعمل ضدهم ويحبطهم، ويدفعهم إما إلى التخلّي عن "الحلم" أو الهجرة إلى الخارج!
لا أريد أن أُتّهم بالتحبيط، لكن من كان له رأي آخر فليقدمه، وينعش فينا روح الأمل، وإلاّ فعلينا أن نواجه أنفسنا بالسؤال المهم: لماذا أصبح الأردن يسمّى من أبنائه المبدعين بـ"مقبرة النجوم"؟!
قبل أيام من إنجاز أبو غوش، كنّا نودّع نجماً تاريخياً في كرة القدم الأردنية، هو خالد الزعبي، الذي كان الآلاف يهتفون باسمه، ثم طواه النسيان والتجاهل. والحال كذلك اليوم مع النجم "السفّاح" أحمد هايل، الذي يصارع وحيداً للتغلب على الظروف الصعبة وللمطالبة بحقوقه من الاتحاد الكويتي لكرة القدم، وهو من أفضل الهدّافين الذين أنجبتهم الكرة الأردنية. ولا أريد أن أقف معكم لأعدد أسماء عشرات النجوم الذين لو كانوا في دولة أخرى من الدول الغربية، لأصبحوا يمتلكون ثروات وأسماء لامعة، لكنّ بعضهم في الأردن يعيش كفاف يومه!
هل ذلك فقط في الرياضة؟! ماذا عن نجوم الفنّ الأردني؛ أين اهتمام الدولة بالنجم الراحل محمد القباني وقبله نجوم كثيرون، بعضهم أحياء يصارعون للبقاء ولمواجهة الفقر؟ بينما لو كانوا ليس في دولة غربية، بل من بعض الدول العربية الأخرى، مثل سورية والعراق، لحظوا بأهمية بالغة وكبيرة، وكثير من هؤلاء النجوم لا يقلّ أبداً في موهبته وقدراته عن النجوم العرب الآخرين!
ثمّة عقوق كبير من قبل الدولة والمؤسسات المعنية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، نحو المبدعين والموهوبين. وكل ما نسمعه من المسؤولين هو أقرب لـ"الفزعة" المؤقتة التي تذهب فوراً بعد أسبوع من تحقيق انتصار أو إنجاز على يد أحد هؤلاء الأبطال، الذين يبدون كالأيتام لا أب ولا راعي لهم!