حلم الدولة القانونية!

سبق لأستاذنا الدكتور منير حميد البياتي أن أهدى لي نسخة من كتابه "النظام السياسي الإسلامي مقارناً بالدولة القانونية". وبعد الاطلاع على الكتاب، وجدت أنه من المناسب الحديث عن الدولة القانونية في العراق بعد العام 2003.اضافة اعلان
في عالم السياسة، تختلف الدول من حيث احترامها للقانون. لذلك، هناك دول قانونية دستورية؛ منضبطة بالقانون والدستور من أعلى المستويات فيها إلى أدناها. وهناك دول بوليسية أو دكتاتورية، يكون الحاكم فيها هو القانون والدستور والنظام. وهناك دول بين هذه وتلك.
والدول القانونية يُعرفها العلماء على أنها تلك الدول التي تخضع فيها جميع الهيئات الحاكمة لقواعد تقيدها وتسمو عليها "سواء من حيث الإدارة أو القضاء أو التشريع، وذلك بعكس الدولة البوليسية". ومن أهم مقومات الدولة القانونية "وجود الدستور، وتدرج القواعد القانونية، وخضوع الإدارة للقانون، والاعتراف بالحقوق والحريات الفردية".
ووجود الدستور يعني "تقييد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لأن الدستور هو الذي أنشأها ونظمها وبيّن اختصاصاتها، ولأنها سلطات تابعة للسلطة التأسيسية". أما تدرج القواعد القانونية "فيظهر في سمو بعض القواعد القانونية على بعض، وتبعية بعضها للبعض الآخر، فهي ليست في مرتبة متساوية من حيث القوة والقيمة". فيما خضوع الإدارة للقانون مقتضاه أن الإدارة لا يجوز لها "أن تتخذ إجراءً أو قراراً إدارياً أو عملاً مادياً إلا بمقتضى القانون، وتنفيذاً للقانون". أما الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية، فإنه الهدف الأساسي من قيام الدولة القانونية، لأن "نظام الدولة القانونية يهدف إلى حماية الأفراد من عسف السلطات العامة واعتدائها على حقوقهم".
وأهم ضمانات تحقيق الدولة القانونية: "الفصل بين السلطات؛ تنظيم رقابة قضائية؛ تطبيق النظام الديمقراطي".
هذه المقدمة تدفعنا لإثارة السؤال المتكرر: هل في العراق دولة قانونية؟ أظن أنه يمكننا الإجابة على النحو الآتي:
- على الرغم من وجود دستور في البلاد، إلا أن العديد من القرارات والإجراءات تؤكد تجميد العمل به. من ذلك، إقرار "الحشد الشعبي"، والإعدامات السريعة، والاتهامات الجاهزة. فكل ذلك يتناقض مع المواد الدستورية المتعلقة بهيبة الدولة وفصل السلطات وحقوق الإنسان.
- اليوم، هناك أطراف داخل العملية السياسية تراشقت بالاتهامات الواضحة والصريحة، وهم جميعهم ما يزالون في العمل الوظيفي والمناصب السياسية، وكأن ما تحدثوا به ليس اتهامات تستوجب المحاسبة والملاحقة والعقاب! فأين الدور الرقابي للبرلمان، ومن يراقب البرلمان؟
- المزاجية في تطبيق القوانين صارت السمة الأبرز في العديد من قطاعات القضاء العراقي والأجهزة الأمنية، وصار الدفع أو "الهبات" هي السبيل الأوضح لإخلاء سبيل كبار متهمين في داخل الحكومة وخارجها.
- بخصوص الجانب "الديمقراطي"، الذي هو أقوى نكتة ومزحة سمع بها العراقيون، فإن الحديث عن هذا الجانب تكفي بشأنه شهادات المنظمات الدولية والمحلية التي أكدت أن مجمل العملية السياسية تعرضت للتزوير، وأن التضييق مستمر على حرية الإعلام والمواطنين.
- أخيراً، فإن حرية المواطن وحياته وكرامته باتت في مهب الريح. وقبل أيام، ذكرت منظمة "الراصد الحقوقي" أنه -في تموز (يوليو) الماضي- بلغ عدد القتلى 640 قتيلاً، والجرحى 1185 جريحاً، وبلغ عدد المعتقلين 832 معتقلاً!
أما غياب الدولة في الجانب التفاعلي اليومي، فهذا ما لا يمكن إخفاؤه أبداً. ولتأكيد ضمور الدولة القانونية من المشهد الحياتي، أذكر بعض جرائم الأسبوع الماضي فقط: عناصر مليشياوية يقتحمون منزلاً ويسرقون 20 مليون دينار بحي التراث ببغداد؛ هجوم مسلح على يد مسلحين يرتدون الزي العسكري في منطقة "العريفية" ببغداد، قتل فيه ثلاثة أشخاص وأصيب أربعة آخرون بجروح خطيرة؛ اعتداء بقنبلة صوتية محلية الصنع على منزل مسؤول في الشركة العامة للموانئ بمحافظة البصرة؛ العثور على جثة شاب قضى رمياً بالرصاص جنوبي كركوك؛ المليشيات تختطف صاحب مولدة كهرباء أهلية بمنطقة "السيدية" ببغداد؛ مجموعة مليشياوية تغتال صاحب معرض لبيع السيارات وعائلته بهجوم مسلح استهدف منزلهم شمالي بغداد... وغيرها. هذا عدا الانفجارت في العديد من المدن، والتي تحصد حياة العشرات يومياً.
فهل مع هذه الحال توجد دولة، سواء كانت دولة قانونية أم بوليسية؟