حلم مشروع بمستقبل أفضل

المعلومات الرسمية الصادرة من مطبخ القرار تؤكد أن حجم المساعدات العربية للعام الحالي ستصل إلى نحو 2 مليار دينار، تسلمت الخزينة نصفها المقدم من السعودية، وثمة وعود بالنصف الثاني مقدم من دولتين شقيقتين.اضافة اعلان
وتشير المعلومات إلى وعود بتلقي مساعدات عربية سنوية وعلى مدى خمس سنوات مقدارها 2 مليار دينار، ومعنى ذلك أن الجهود الملكية المبذولة أسهمت بالحصول على مساعدات ستخرج البلد من ضائقته المالية وتضع الاقتصاد الوطني خارج تكهنات الأوضاع الاقتصادية العالمية.
ففي ظل وجود مثل هذه المبالغ خلال نصف العقد المقبل فإن تكهنات رئيس البنك الدولي روبرت زوليك بأن الاقتصاد العالمي سيدخل "مرحلة جديدة خطرة هذا الخريف" لن تشمل الأردن.
هذا على الصعيد الكلي والآني، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن يتعلق بأداء الحكومة الاقتصادي والذي يبدو أن الأوضاع السياسية شغلتها عن متابعة المشهد الاقتصادي، بهدف اتخاذ قرارات ووضع خطط تسهم بزيادة النشاط الاقتصادي وتحديدا الاستثماري الذي يظهر أنها لا تلتفت له وليس على أجندة أولوياتها.
ولولا المساعدات العربية التي أتت وتلك المتوقعة فإن الله وحده يعلم بما كان سيكون عليه وضع المملكة الاقتصادي اليوم على المستوى الكلي نتيجة الكسل والخمول الحكومي في إدارة الشأن الاقتصادي. المستغرب أن الحكومة حينما تفكر بالإصلاح الاقتصادي لا تفكر إلا بالتخلص من الدعم على اعتبار انه التشوه الوحيد في الاقتصاد، بينما تتجاهل عقول وعيون المسؤولين التشوهات الأخرى الكارثية، مثل هدر المال العام والبيئة التشريعية الناظمة للعملية الاستثمارية.
الملف الاقتصادي الذي وضع على الرف في غمرة الانشغال بالأوضاع السياسية وتخبط الحكومة في التعاطي مع الحراك الإصلاحي، جاء وسط فهم خاطئ لمدى تأثير الأمن الاقتصادي على الأمن الشامل وعلى حياة الناس ولقمة عيشهم، والتي اضطرتهم في نهاية المطاف للخروج إلى الشارع تعبيرا عن رفضهم للسياسات الرسمية التي انتهكت حقوقهم الاقتصادية قبل السياسية.
ولو استثنينا المساعدات العربية من الحسبة الاقتصادية لعادت إلى الذهن السيناريوهات الكارثية التي تهز الاستقرار المالي والنقدي، ومثل هذه التكهنات تضغط بضرورة وضع خطة إصلاح اقتصادية وطنية" لا تشبه تلك التي أقرتها حكومة سمير الرفاعي"، بل تعالج الاختلالات التي تنامت خلال السنوات الماضية وجسدتها بشكل صارخ سياسة الإنفاق المطبقة.
وتتجلى نتائج سياسة الإنفاق المقلقة باتساع سياسة الإنفاق على قاعدة "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ما أدى إلى تضاعف حجم الموازنة العامة لتقفز قيمتها من حوالي 3 مليارات لتتجاوز 6 مليارات دينار، نتيجة سياسات تبحث عن الحلول السهلة وما تزال تركز على القطاع العام للتوظيف والتعيين.
وتبعات الإنفاق الخاطئ لا تتوقف عند حدود زيادة حجم الموازنة بل تفاقم حجم العجز والدين العام كون الإسراف في الانفاق يتم من خلال المبالغة في إصدار ملاحق الموازنة والتي للأسف لم تضع التعديلات الدستورية المعروضة اليوم على مجلس النواب حدا لها بل تركت لها الباب مفتوحا بدون أي ضوابط دستورية.
تجميد الإصلاح الاقتصادي واقتصار التحسن المطلوب على اشتراطات المؤسسات الأممية لن ينفع فالإصلاح الاقتصادي المطلوب يحتاج إلى معالجة اختلالات جوهرية تتعلق بهيكلية الاقتصاد بشكل يساعدنا على الاعتماد على الذات مستقبلا بناء على معطياتنا المحلية والتي لا تعد قليلة أو محدودة بأي شكل من الأشكال بل ضائعة لسوء الحظ. لدينا من القدرات والكفاءات والإمكانات ما يساعد على تطوير الوضع الاقتصادي بشكل يسهم بتخفيف شعور التشاؤم الاقتصادي ويولد شعورا مجتمعيا بأن المستقبل أفضل من الوضع الراهن، فمتى نبدأ؟

[email protected]