حلول عملية لأزمة ملايين النازحين!

مرة أخرى أجد نفسي مضطراً لتناول موضوع إهمال النازحين داخل العراق الذين فقدوا أبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة، ذلك لأنه – ربما- ومع صمت المدافع في المنافي التي يتواجد فيها ملايين النازحين غابت عدسات التصوير والكاميرات التي تتناول المأساة إلا ما ندر، وصارت معاناتهم في صفحات الماضي، وهنا تكمن بداية المأساة.اضافة اعلان
في مرحلة المعارك التي وقعت في ديالى والموصل والأنبار وغيرها سلطت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية الضوء على هموم النازحين ومصاعب المخيمات المنتشرة في أماكن غير مؤهلة لحياة إنسانية مقبولة على أقل تقدير.
واليوم - وبعد أن سُلِّط الضوء على احتفالات الحكومة بنهاية "داعش" من الموصل وما تلاها من معارك إعلامية وميدانية بين أربيل وبغداد- نجد أن قضية ملايين النازحين صارت في قائمة الإهمال الحكومي والإعلامي.
 يوم السبت الماضي تناقلت بعض وسائل الإعلام المحلية خبراً عن الإهمال الكبير للنازحين في معسكر سعد شرق بعقوبة، وقد وصل الحال" إلى درجة انتشار المياه الآسنة في عموم المعسكر، لتشكل خطراً على الأطفال والصحة، مما دفع أهالي المخيم إلى حظر خروج أطفالهم الصغار خشية تعرضهم للأمراض، أو الوقوع في المجرى".
وفي محافظة الأنبار كشف مصدر محلي "عن إصابة أكثر من 23 نازحاً، غالبيتهم أطفال، بمرض الجرب في مخيم الصمود ومخيم فلوجة (5) بالمدينة السياحية، ووجود أكثر من (45) أسرة في مخيمي الصمود والفلوجة (5)، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء".
وفي التاسع  من تشرين الأول (أكتوبر) 2017 أكدت منسقة الشؤون الإنسانية في العراق ليز غراندي: نزوح "أكثر من 5.4 مليون مدني في العراق منذ عام 2014".
إذن نحن أمام مأساة لملايين العراقيين الذين وجدوا أنفسهم في واقع مؤلم، مع غياب الحلول الجذرية لمشاكلهم اليومية المستمرة والمتنامية من تعليم وصحة وحياة كريمة!
المراحل الماضية أثبتت أن الحكومات المتعاقبة تتعامل مع معسكرات النزوح الداخلي على اعتبار أنها حالة واقعية دائمية، وليس على اعتبار أنها حالة مؤقتة ينبغي السعي لإيجاد الحلول الجذرية لها.
وبرأي يمكن علاج، أو إنهاء النزوح الداخلي عبر السبل الآتية، والتي تتم بالتنسيق بين الحكومات المحلية والحكومة المركزية، وكذلك مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية:
1. إلغاء مذكرات الاعتقال الكيدية الصادرة بحق المهجرين وذلك لا يكون إلا بتفعيل قانون العفو العام، وإنهاء معاناة ملايين العراقيين.
2. بسط هيبة القانون في المدن التي لا تعاني من انتشار عناصر "داعش"، وإنهاء تواجد العناصر المتفلتة وغير المنضبطة المتواجدة في العديد من المدن وبالذات في ديالى ومناطق حزام بغداد وغيرهما.
3. أخذ تعهدات خطية من شيوخ العشائر بإيقاف الثارات العشائرية، وتكون الدولة هي الضامنة للفصول العشائرية بعد إصدار المحاكم المختصة قراراً بوجود جناية أو اعتداء من أحد أبناء العوائل العائدة للمدينة.
4. ضرورة التأكد من خلو المناطق من العبوات الناسفة والألغام لضمان سلامة العائدين.
5. في المرحلة الأولى يعود رب الأسرة فقط، أو من يقوم مقامه لترتيب الأوضاع العامة للآخرين قبل عودتهم.
6. ضرورة مساهمة البلديات في إزالة ركام المنازل المهدمة وإعطاء كرفانات جاهزة يمكن تصنيعها خلال عدة أيام، وهي متوفرة وبأسعار مقبولة جداً في الأردن وتركيا، وتوزع على الأهالي وتنصب بدلاً من منازلهم المدمرة باعتبارها من الحلول المؤقتة، وهذا يُغني عن المصاريف غير المثمرة في معسكرات النزوح.
7. تقدم البلديات والمجالس المحلية العون المادي لتأهيل المنازل غير المدمرة، والتي يمكن إعادة تأهيلها.
8. ضرورة تفعيل منحة المليون دينار للعوائل العائدة، وتوفير الحصة الغذائية لهم.
9. توفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء، ولو عبر المولدات الكهربائية لحين ترتيب الأوضاع العامة للمحافظات المنكوبة.
10. بعد ترتيب الخطوات السابقة - بحضور ممثل عن كل عائلة- يتم توفير سيارات مختلفة لنقل بقية عوائل المهاجرين وأثاثهم البسيط من مناطق نزوحهم إلى منازلهم الأصلية، وتكون عودتهم ضمن كفالات حكومية بالحفاظ على سلامتهم وممتلكاتهم.
هذه الحلول المؤقتة يمكن أن تساهم بشكل أولي في إعادة الحياة إلى المدن ونفخ الروح في اللحمة الاجتماعية، وإعادة تنشيط الحركة الاقتصادية بعد أن أصبحت غالبية هذه المدن عبارة عن مدن ميتة في المقاييس الاقتصادية والحياتية.
أظن هذه الخطوات يمكن أن تكون بداية النهاية لمعاناة ملايين النازحين، فهل يمكن أن تستجيب الحكومة؟!