"حلوّا عنا"

الأغلبية الصامتة في الأردن لا ترفع صوتها مع الحكومة ولا ضدها. ولا تهتف مع المعارضة ولا تهتم لمطالب الإصلاحيين. مجموعة كبيرة من هؤلاء الناس ينظرون حولهم بعيون المتفرجين، ولكن الألم يعتصرهم من الداخل، فكل خطوة يخطوها المتظاهرون تؤثر عليهم وعلى معيشتهم وتعطل حياتهم ولو لساعات.وكل خطوة يخطوها رجال الأمن في المقابل ترعبهم وتهدد مصالحهم بالتوقف. وهم يعتمدون في معظمهم على دخل يومي ليعيشوا، وتعتاش عائلاتهم.اضافة اعلان
الأغلبية الصامتة تضم بين أطرافها عمالاً وحرفيين وموظفين وتجاراً صغاراً ومثقفين، وكلهم يتعاطون السياسة بشكل أو بآخر، وكل منهم يدلي بدلوه في الأحداث ابتداء من شوارع عمان مروراً بصنعاء ودمشق والقاهرة وتونس وليبيا، ووقوفاً عند القضية الفلسطينية وانتهاء بالأزمة الاقتصادية العالمية وضعف الدولار وارتفاع الذهب.
الأغلبية الصامتة تنظر حولها بحيرة وشك، وتتساءل ما الذي يحدث، وأين الخطأ، وأين الصواب. وهي ترى بعض المطالبين بالاصلاح الذين يتظاهرون في شوارع عمان ويعتلون الطرقات ويعطلون مصالح عباد الله.. ويرفعون شعارات نارية يطالبون بالحريات ومكافحة الفساد. يذهبون للدفاع عن النظام في سورية، بينما يهتاجون لاي احتكاك مع رجال الأمن العام. يدافعون عن القتل البشع والابادة الجماعية في سورية، بحجة واهية (نظرية المؤامرة) التي عششت في أذهان الأمة العربية منذ بداية الهزائم المتتالية التي لحقت بها، وقد اخترعتها الانظمة المأزومة المهزومة وأقنعت الشعوب بها، فإذا سقطت طائرة في البحر اعتبروها مؤامرة خارجية، واذا أفلس أحد الانظمة مالياً أو سياسياً، اعتبروها مؤامرة إمبريالية صهيونية رجعية، تريد تهديد أمن الأمة وتقدمها.
الأغلبية الصامتة ترى عنفواناً لدى البعض، ممن يعيشون في حالة انفصام دائم، وهم يطالبون بكل شيء في شوارع عمان وجبالها، وترى العنفوان نفسه لدى هذا النفر وهم يستميتون دفاعاً عن أنظمة قمعية. لست أدري بماذا يدينون لها، ولماذا هذا الاندفاع غير المعقول.
 هاتفني أكثر من شخص، وبأسماء وهمية؛ بعضهم عاتب وبعضهم غاضب، لأننا مندفعون حسب رأيهم في الهجوم على النظام في سورية. وهذا ليس صحيحاً، فنحن صحيفة مهنية تعرض الرأي، وتحتمل الرأي الآخر، ولكن الأخبار الواردة من هناك ينشرها الجميع، وهي أخبار مشاهدة ومصورة وتعرض على الشاشات أمام الجميع ويشاهدها القاصي والداني.
احدهم أقسم ايماناً غليظة، ولست أدري كيف سمح لنفسه بذلك، أن كل ما تشاهدونه ليس صحيحاً، وأنه مفبرك من أجهزة غربية معادية للأمة العربية ولسورية قائدة المقاومة ورائدة النضال. واتهمنا بالانسياق وراء المؤامرة والخضوع لآلة الإعلام الغربي، طالباً منا بكل بساطة أن نغض البصر والبصيرة، حتى تثبت مقولته ونؤيد نظرية المؤامرة.
الأغلبية الصامتة تقول، كلنا مع الإصلاح، لا أحد يرفض الحرية والكرامة، ولا أحد يملك عقلاً متوازناً يقف ضد الديمقراطية ولا يؤيد محاربة الفساد، ولكن كيف تريدون منا أن نؤمن بكم وانتم تطالبون بشيء هنا، وترفضونه بل تقاومونه وتخونون من يطالب به هناك؟ كيف تريدون أن نؤمن بكم وأنتم تكيلون بمكيالين وتستهينون بعقول الناس وذكائهم، وتريدون ان تعموا بصيرتهم وبصائرهم؟ إن الحراك مقبول ومنطقي إذا لم يعطل مصالح الناس وكان في حدود المعقول، لا يؤثر على مصالح العباد ولا يطرد الاستثمارات ويعطل السياحة ويرعب السائحين.
الأغلبية الصامتة تقول بكل بساطة، نريد الإصلاح ونؤيد من يطالب به، ولكن أن يكون الموقف ثابتا واضحا؛ فالإصلاح واحد في كل الأماكن، والديمقراطية واحدة في كل النواحي. نقول ببساطة، نحن الأغلبية الصامتة نريد أن نشكل حزباً نسميه.. "حلوا عنا".