حل الدولتين هو فكرة صهيونية بالتأكيد

هآرتس بقلم: ديمتري شومسكي 5/5/2021 لو أن ضيفا متخيلا من المريخ، الذي بالصدفة كان يمكنه قراءة العبرية وكان يريد بلورة رأي بشأن تعريف الصهيونية استنادا إلى أقوال عضو الكنيست عوفر كسيف (حداش) في مقابلة مع نير غونتسي في الشهر الماضي ("ملحق هآرتس"، 16/4)، ايضا على قاعدة الردود الانفعالية لجدعون ليفي على هذه الاقوال ("هآرتس"، 18/4)، لكان سيتوصل الى استنتاج بأن الصهيونية في اساسها وجوهرها هي توق مستمر ومدمر ومنفلت العقال للدفع قدما بتفوق اليهودي بين البحر والنهر. وهو ايضا كان سيعتقد أن المستوطنين ومؤيديهم هم الممثلون الواضحون (اذا لم يكونوا الحصريين) لهذا الطموح. ولكن لو أن هذا الضيف قرأ مقال الرد على اقوال كسيف وليفي، الذي كتبه البروفيسور الكسندر يعقوبسون ("هآرتس"، 20/4) كان سيعرف أن الصهيونية في أساسها وجوهرها هي تطلع الشعب اليهودي الى الاستقلال الوطني على اساس الاعتراف بالمساواة في الحقوق الوطنية السياسية بين اليهود الاسرائيليين والعرب الفلسطينيين الذين يعيشون بين البحر والنهر في إطار نموذج دولتين لشعبين. ولكن السؤال المهم هو إلى أي نتائج كان سيتوصل هذا الضيف الخيالي من الكوكب الآخر لو أنه أجرى استطلاعا في أوساط الجمهور اليهودي الاسرائيلي حول المسألة التالية: من هو الصهيوني في نظره – الموقف الفكري لليمين والمستوطنين بأن حق تقرير المصير الوطني بين البحر والنهر محفوظ لليهود فقط، والنشاطات الاستيطانية لمؤيدي حلم أرض إسرائيل الكاملة هي من أجل تجسيد هذا الموقف على الارض؟ أو فكرة تقسيم البلاد بين اسرائيل وفلسطين بروح المبدأ العالمي للمساواة في الحقوق الوطنية لتقرير المصير؟. يمكن التقدير، بالحذر المطلوب، أنه في نظر معظم الجمهور اليهودي لا يوجد خلاف على صهيونية مؤيدي موقف اليمين الاستيطاني. في المقابل، ليس من المدحوض الافتراض أنه بالنسبة لمعظم اليهود الاسرائيليين فان صهيونية حلم تقسيم البلاد الى دولتين قوميتين قابلتين للحياة، ليست أمرا مفهوما بحد ذاته، ومن ناحية الكثيرين جدا تعتبر انحرافا عن الفكرة الصهيونية. سيقال على الفور بأن حل الدولتين يحظى الآن بدعم الكثيرين من مصوتي الأحزاب الصهيونية، بما فيها أجزاء غير قليلة من مصوتي اليمين. حسب استطلاع اجراه معهد "متغان" بطلب من منظمة "مبادرة جنيف" في شهر آذار(مارس)، فانه يؤيد هذا الحل 53.1 % من مصوتي اسرائيل بيتنا، 44.3 % من مصوتي أمل جديد و32.6 % من مصوتي الليكود و23.1 % من مصوتي يمينا. ولكن لا يجب الاستنتاج من ذلك بأن من يؤيدون حل الدولتين يرون في فكرة تقسيم البلاد تعبيرا مخلصا وأصيلا على الأيديولوجيا الوطنية الصهيونية. بالعكس، الأكثر ترجيحا الافتراض أن غالبيتهم ترى هذه الفكرة في المقام الأول تنازلا براغماتيا عن أحد الأسس الأيديولوجية الرئيسية للصهيونية وهو الحق الوطني - التاريخي لشعب اسرائيل في ارض اسرائيل، الذي فرض على دولة اسرائيل بسبب ظروف ديمغرافية. يعقوبسون محق: مواقف مناوئة للصهيونية واضحة ومعلنة محكوم عليها في اسرائيل بأن تكون على الهامش السياسي. ولكن لأن الهوية الوطنية – الصهيونية لحل الدولتين على الاقل غير واضحة بذاتها في نظر الجمهور اليهودي الاسرائيلي فان هذه الفكرة أيضا توضع في هامش الخطاب السياسي اليهودي – الاسرائيلي الذي يتميز بوضوح بالأيديولوجيا والخطاب الصهيوني. يعقوبسون محق في أمر آخر: رغم الهامشية السياسية إلا أن انكار الصهيونية في اسرائيل الصهيونية يخدم بشكل جيد اليمين الاسرائيلي لأنه يشكل بالنسبة له عامل تجنيد من الدرجة الاولى. ولكن مساهمة أكبر بكثير لتعزيز اليمين تسجل لصالح أتباع حل الدولتين. هؤلاء يرفضون اعادة صياغة هذا الحل من خلال تقارب مقنع مع أسس الفكرة الصهيونية. وبالتالي، ترك اليمين فعليا باعتباره اللاعب الفاعل الوحيد في مجال الخطاب الايديولوجي الصهيوني. لأن الإشاعات عن موت القومية تبين أنه مبالغ فيها كما هو معروف، فانه في دولة قومية حديثة لا يمكن أن نقود بصورة ناجحة أي عملية وطنية مصيرية بصورة منفصلة عن البعد المشاعري وعن تراث الماضي القومي. بالتأكيد إنه في إسرائيل، الدولة القومية الشابة مع ذاكرة قومية – تاريخية طويلة، لا يمكن الدفع قدما بصورة ناجعة بفكرة تقسيم الوطن القومي – التاريخي على أساس مبررات براغماتية مجردة، مثل المبررات الديمغرافية. يجب أن ترتكز هذه الفكرة على اللغة وعلى الايديولوجيا وعلى الرموز القومية الصهيونية. أجل، الأمر يتعلق بمهمة غير سهلة، لكنها ليست مستحيلة. لأن المصادر الصهيونية مشبعة بتعبيرات الاشمئزاز تجاه فكرة سيطرة اليهود على غير اليهود. وهذه تعبيرات لها علاقة بذكريات الماضي لليهود كأقلية مضطهدة، وطبعا للطبعة الصهيونية من ثيولوجيا "النور للاغيار" على شكل فكرة دولة اليهود كمجتمع نموذجي. المطلوب إذا هو إظهار هذه التعبيرات وتعبيرات كثيرة أخرى لمعارضة الصهيونية لقمع شعب آخر ووضعها في بؤرة الخطاب القومي– الصهيوني الحالي. اليوم حيث تقف على رأس حزب العمل الصهيوني عضوة الكنيست ميراف ميخائيلي، التي لا تتردد في الوقوف علنا ضد نية الكيرن كييمت العمل رسميا من اجل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، يوجد مكان للأمل بأن حل الدولتين سيبدأ في التحرك أخيرا من هامش الخطاب الصهيوني إلى مركزه.اضافة اعلان