حل جذري ومجاني لمدارس الفترتين

يزيد السكان في المجتمعات المتخلفة والنامية، بمتوالية هندسية، أي أن الواحد يصبح إثنين، والإثنين أربعة، والثلاثة ستة، وهكذا، فيتضاعف عدد السكان كل عشرين سنة أو أكثر، بينما التنمية تنمو بموجب متوالية عددية: 1، 2، 3، 4، 5 وهكذا، مما ينشأ بينهما هوة كبيرة، أي بين ما تحتاج إليه الزيادة السكانية من مرافق وخدمات وسلع، وبين ما يمكن توفيره لها بالفعل وكما هو متجل في كثرة الأطفال وقلة المدارس، فما بالك إذا تضاعفت الزيادة بالهجرة واللجوء، إلا في الجوامع التي يبدو أن المعادلة لا تنطبق عليها فهي تزيد بمتوالية هندسية بينما يزيد المصلون بمتوالية عمودية، ربما لاعتقاد المتبرعين ببناء الجوامع ان ثواب بنائها أكبر بكثير من ثواب المدارس، وأن المتبرع لبناء جامع يحصل به على مرتبة عالية في الجنة لا يحصل عليها من يبني مدرسة، لأن الصلاة ركن من أركان الإسلام وإن كانت يمكن أن تتم في أي مكان طاهر، بينما التعليم سنة ويحتاج إلى مكان خاص مُعد لذلك.اضافة اعلان
قال تعالى “وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{الأحقاف 19} وقال “وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى” {طه،75} وعليه لا تنفع مع هؤلاء كل خطب الجمعة والوعظ والنداءات لبناء المدارس أو ما بحكمها، فلا تندهي.
ونتيجة لهذه المعادلة أو الحالة تعاني وزارة التربية والتعليم كل سنة من كثرة الأطفال الذين هم في التعليم، ومن عجزها عن توفير مدارس تكفي لاستيعابهم، مما يجبرها على استخدام الأبنية المدرسية مرتين في اليوم، وعلى استئجار أبنية لا تصلح كمدارس، بالإضافة إلى حاجتها لتجديد الأبنية المدرسية القديمة المتداعية.
هذا من الناحية المدرسية المادية، فما بالك من النواحي النفسية والتربوية السيئة في مدارس الفترتين ؟ إن تلاميذ الفترتين وذويهم يعانون كثيراً فلا أطفالهم يحصلون على مكان مريح في المدرسة، ولا هم يحصلون على تعليم جيد، لأن كل درس وكل نشاط لا يأخذ مداه أو حقه. وبدلا من حل المشكلة في بداية كل عام مدرسي، فإنها تتعقد بزيادة عدد الأطفال المسجلين، وقلة عدد المدارس المتاحة.
إنني أدعي أنه يوجد حل إداري جذري (مجاني) لهذه المعضلة، وبحيث يتضاعف عدد المدارس في البلاد، وتضيق الهوة بين العرض والطلب أو يُقضى عليها. إنه حل في منتهى البساطة والجمال، وقد بينته في مقال لي في مجلة اليونسكو ( Prospects) الربعية التربوية ( المجلد الخامس – العدد السابع / 1975) بعنوان “توزيع الوقت في مدارس بلدان العالم الثالث”: Reallocating Time In Third World Schools
جاء فيه أنه بدلا من مدارس الفترتين في اليوم الواحد نحول المدرسة إلى مدرسة مستقلة يوميا يلتحق بها فوج من التلاميذ يتعلمون فيها طيلة النهار وبمعدل عشر حصص في اليوم، ويغيبون عنها في اليوم الثاني ليحل محلهم فوج آخر، وهكذا، وبالهيئة المدرسية اللازمة نفسها، وحسب الحصص المقررة للمعلم/ة وتعطل المدرستان مرة في الأسبوع (يوم الجمعة) فعطلة يومين في الأسبوع في بلد إنتاجه لا يغطي بعض استهلاكه رفاهية. بهذا الحل حيث يلزم تختفي مدارس الفترتين اليومية، وربما تبطل الحاجة إلى المدارس المستأجرة. وبه يتضاعف عدد المدارس في البلاد.
كل ما هو مطلوب لمدارس الازمة حل إداري فني يعيد صياغة البرنامج المدرسي والمواد ويقلص العطلة الطويلة. فكروا في فوائد وعوائد وسلبيات هذا الترتيب تكتشفون أن فوائده وعوائده أكبر بكثير من سلبيات مدارس الفترتين والأبنية المستأجرة، بل أنه أفضل في كمية الوقت المُعطَى للتعلم والتعليم، ففي مدارس الفترتين تقضي كل مدرسة ما يساوي يومين ونصفا في الأسبوع. أما المدرسة الجديدة فتقضي ثلاثة أيام في الأسبوع، أي أن فترة التعليم تزيد بمقدار نصف يوم عن مدرسة الفترتين. فهل يحصل هذا الحل على تجريبه وقبوله، أم أنه يحتاج إلى توصية من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي؟!
وإذا أضيف إلى هذا الحل الاقتراح بجعل الدوام المدرسي في الثامنة، ودوام القطاع الخاص في التاسعة، والإدارة العامة في العاشرة، فإن أزمة المرور ستخف كثيراً.