حماس بين كارتر وساتلوف!

ينتقد المدير التنفيذي لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، روبرت ساتلوف لقاء جيمي كارتر مع قادة حماس، ويلمّح أنّ ذلك يقوض من قوة الرئيس عباس ويهز أركان حكمه.

اضافة اعلان

وفي الوقت نفسه يستبعد ساتلوف أن تتمكن حماس من إحداث قفزة مشابهة لتلك التي قامت بها منظمة التحرير الفلسطينية، عندما قررت تبني خيار الدولتين، بعد حسم النقاش الداخلي بين تيار يقبل بهذا الخيار الاستراتيجي وتيار آخر يصر على "الكفاح المسلح". ويرى ساتلوف أنّ حماس تفتقد لحوار داخلي مشابه، إذ مايزال التيار "المعتدل" فيها يتحدث عن "تهدئة طويلة الأمد" بينما "التيار المتشدد" يطلب مجرد هدنة عسكرية ووقف إطلاق نار.

يطالب ساتلوف، في خاتمة مقاله، بتفعيل الاستراتيجية التي اعتمدتها الإدارة الأميركية تجاه الفلسطينيين، بعد استيلاء حماس على غزة، والتي تقوم على تعزيز موقف عباس ودعمه سياسياً واقتصادياً في المقابل إحكام الحصار على حماس في قطاع غزة. ويخلص المفكر الصهيوني إلى القول:"الفكرة وراء هذه الاستراتيجية في غاية الوضوح، ألا وهي أن يوضع الفلسطينيون أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الاستقرار والازدهار الاقتصادي واتساع الفوضى، أو الجدب والقحط والعنف وأنهر الدماء".

من الواضح أنّ مقال روبرت ساتلوف المغتاظ من لقاء كارتر بقادة حماس يعكس موقف الاتجاه العريض داخل الإدارة الأميركية ومراكز التفكير من حركة حماس والحوار معها. بينما يمثل موقف الرئيس كارتر – على أفضل تقدير- نخبة قليلة، وهو موقف غير مؤثر، ولا نافذ لا في أوساط القرار ولا حتى المؤسسات الإعلامية والسياسية.

وبعيداً عن تحيّز ساتلوف وتأييده المطلق لإسرائيل، بل وموقفه الحاد من مجمل الحركات الإسلامية، إلاّ أنّ الرسالة التي يمكن التقاطها من مقاله واضحة وصريحة بأنّ على قادة حماس ألا يتفاءلوا كثيراً بمخرجات زيارة كارتر ولا بأهميتها، على الرغم من مكانة الرجل ورسالته النبيلة. كما أنّ المفاوضات السرية، التي يشير إليها قادة حماس، مع دول في الاتحاد الأوروبي، لا تعني شيئاً كبيراً، وهدف هذه الدول منها يتمثل باختبار مواقف حماس ونواياها دون القدرة على بناء خطوط تمايز أو تشكيل موقف ثالث مخالف للموقف الأميركي والإسرائيلي من حماس.

حتى موقف كارتر يبقى ضعيفاً ومعزولاً داخل الرأي العام الأميركي والعالمي إذا بقيت حالة "الغموض" عند حركة حماس تجاه التسوية السلمية، ولن يستطيع الرجل بناء أي جبهة أميركية أو عالمية لرفع الظلم والحصار عن حركة حماس، بل عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كما وعدهم "إن اقتنع بقضيتهم".

حماس ترى في "غموض موقفها" السياسي مفتاحاً للتعامل مع استحقاقات المرحلة الحالية؛ فهذا الغموض والتضارب المتعمّد في التصريحات يحول دون تقديم تنازلات مجانية للجانب الإسرائيلي، الذي لم يقدم أية رسائل ومبادرات يمكن الاستناد عليها في تبرير "التحول الايديولوجي" لدى الحركة، ويحول "الغموض" أيضا دون تفاقم الصراع داخل الحركة بين الخط المتشدد والخط البراغماتي، ما قد يؤدي إلى مضاعفات داخلية خطرة، تبدو الحركة في غنى عنها في هذا الوقت الحساس والحاسم على مستقبلها ومصيرها.

لا ينكر مراقب محايد أنّ حركة حماس نجحت فعلاً برِهانها على الصمود والحفاظ على قطاع غزة، على الرغم من الجرائم الاسرائيلية والحصار الدولي الظالم والتواطؤ الرسمي العربي معه، لكن هذا الصمود – كما تعلم حماس نفسها- ليس مخرجاً استراتيجياً بعيد المدى، ويرتبط بدرجة رئيسة بالطريقة التي ستحسم فيها إسرائيل خياراتها، بين اتخاذ قرار اجتياح القطاع وتدمير البنية التحتية المتنامية لقوتها العسكرية، أو تشديد الحصار وتعظيم المعاناة من خلال قطع الكهرباء والماء، وتصدير المشكلة لتصبح فلسطينية- مصرية.

فالقراءة الاستراتيجية تستدعي من حماس إعادة بناء مقاربتها، بخاصة أنّ الوضع الفلسطيني الحالي يسير من سيئ إلى أسوأ، ومباراة تكسير العضلات بين فتح وحماس يدفع الشعب حصرياً نتائجها الكارثية.

تملك حماس إحداث اختراق استراتيجي حقيقي في حال أنهت مرحلة "الغموض السياسي" وأعلنت صراحةً قبولها بالمبادرة العربية وبالقرارات الدولية.

المفارقة أنّ القبول بالمبادرة العربية والقرارات الأممية تكاد تنطق به تصريحات قادة الحركة، كما حصل مع المقابلة الأخيرة التي أجراها مشعل مع صحيفة الأيام الفلسطينية، لكنه لم يصل بعد إلى درجة من الوضوح والعلانية التي تقطع حجج وذرائع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية والتيار الفكري العريض ضد الحركة في الغرب، وتقوّي مبادرات وحجج شخصيات ونخب كالرئيس كارتر.

ماذا يترتب على إعلان حماس قبولها بالمبادرة العربية من حيث المبدأ؟ بالتأكيد لن تسارع إسرائيل إلى عقد تسوية سلمية، ولن تحسِّن شروطها، لكن الكرة سترتد إلى الملعب الإسرائيلي وتناقضاته الداخلية، وسوف يتضح أنّ المشكلة هي إسرائيلية أولاً وأخيراً.

في المقابل؛ ستسقط ذرائع الحصار الدولي الظالم، ويتضح حجم الأغاليط حول الحركة، والشعب الفلسطيني المحاصر، وسوف تتعزز عوامل الحوار الداخلي الفلسطيني، وستضعف عوامل العزل العربي لحماس، ما يقوي الاتجاه العربي الذي يطالب بالحوار مع الحركة وكسر عزلتها وإنهاء الحصار المفروض عليها.

لم يعد غموض الحركة مجدياً. أمّا البدائل المقدمة(الهدنة الطويلة، التهدئة) فتخدم إسرائيل بدرجة رئيسة وتمنحها الوقت، وتعزز من واقع الانقسام الفلسطيني. في حين أنّ رهان حماس على إيران رهان خاطئ استرايجياً من ناحية سياسية وجغرافية، ولا تقارن شروط علاقة حزب الله بإيران بواقع حماس وشروطها، ومهما حصّلت حماس من قوة عسكرية فإنّ خياراتها السياسية والمعادلات التي تعمل من خلالها تختلف تماماً عن تلك التي تحكم حزب الله في لبنان.

محيط حماس وعمقها الاستراتيجي يكمنان في السعودية ومصر والأردن، وإن كان وقع ظلم وحصار أكيد من الحكومات العربية على حركة حماس، فإنّ المطلوب من الحركة كسر هذا الحصار وخلق مناخات عربية مساندة، بدلاً من الإبحار بعيداً.

[email protected]