"حماس" في "حملة" ارحل

حققت حركة "حماس" وقبلها حركة "فتح"، حضورها وجماهيريتها، كفصائل فلسطينية، بتوجيه البوصلة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبتنبني المقاومة. وتعلم "حماس" أن الإخوان المسلمين ولعقود رفضوا منظمة التحرير الفلسطينية، وتبنوا برامج مثل قيام الدولة الإسلامية والدعوة الدينية، ورفضوا حتى تنظيم الكفاح المسلح والدخول الرسمي فيه، فكانت الحركة في موقع ضعيف فلسطينياً، ولم يتحولوا إلى قوة أساسية، لدرجة "هزيمة"، حركة "فتح" انتخابياً، إلا عندما رفعوا شعار المقاومة وتوجيه البوصلة ضد الاحتلال، وبعد أن "غرقت" "فتح"، في متطلبات الحياة اليومية والسلطة، والعملية السياسية، وما تفعله "حماس" بنفسها أنّها تتخلى عن كل ذلك. يجب تذكر هذا قبل مناقشة الحملة التي تحاول "حماس" تنظيمها حالياً ضد الرئيس الفلسطيني.اضافة اعلان
عندما أُعلِنَ أن دولة قطر ستقدم مساعدات لقطاع غزة، ودفعت الأموال بالفعل لموظفين تأخرت رواتبهم، كان هؤلاء هم الموظفون الذين عينتهم حركة "حماس"، ولم يجر مجرد نقاش، لرواتب الموظفين الآخرين الذين كان كل الإعلام يتحدث عنهم، أي موظفو السلطة، الأصليون، الذين يتقاضون نصف راتب منذ أشهر طويلة من قبل السلطة الفلسطينية، ومركزها رام الله. ولكن عندما أخرج "آلاف" أو "مئات" للشارع في مظاهرات في قطاع غزة، يوم الأحد الفائت، بقيادة "حماس"، ضد الرئيس الفلسطيني، كانت الشعارات التي استخدمت في المسيرات، هي "الراتب الكامل حق مش منة"، و"أعيدوا الراتب"، و"يا عباس خوذ العبرة هبة شعبي زي الجمرة".، فضلا عن موضوع الكهرباء.
بحسب، وسائل الإعلام، ومصادر عديدة، شارك في تظاهرة الأحد، عناصر من حركة "حماس" ومؤيدون للقيادي السابق في حركة "فتح" محمد دحلان، فيما رفضت الفصائل الفلسطنية المختلفة، بدءا من الجهاد الإسلامي وصولا للفصائل اليسارية المشاركة، وبعيداً عن المسيرات المضادة التي خرجت، فإنّ "حماس" قدمت نفسها في موقف ضعيف، وذلك للاعتبارات التالية:
كانت حركة "حماس" في الماضي تطرح أنّ تيار دحلان هو أساس المشكلة مع حركة "فتح"، وأنّ هذا التيار هو أساس التنسيق الأمني، وهو محور الخلاف السياسي، و..إلخ. وعندما تكون قد تحالفت مع هذا التيار الآن فإنها كمن يقول هناك أولويات أخرى للحركة.
لم تستطع الحركة الحشد سياسياً أو جماهيرياً لأجل حملتها، لدرجة أظهرتها بموقف المعزول والمنفرد.
اختارت حركة "حماس" توقيتا غير مناسب لشن الحملة، فهي تأتي في ثلاث سياقات، الأول تصعيد الجانب الإسرائيلي ضد السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، بسبب مخصصات الأسرى وأسر الشهداء، وهؤلاء لا ينتمون لفصيل واحد، بل لكل الفصائل وفي مقدمتها حركة "حماس". والسياق الثاني، أن الحملة جاءت بعد توتر وتصريحات لأفراد وتنظيمات قريبة من حركة "حماس" تشكك بمكانة وأهمية منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي تضع "حماس" نفسها بموقع من يعود "لنغمة قديمة" تشكك في المنظمة، من حيث المبدأ. وثالثا، تأتي الحملة في خضم مواجهة سياسية، وهجمة ضد الفلسطينيين عموماً، من محطاتها الأخيرة، هجمة أميركية ضد حركة "حماس" نفسها، في الأمم المتحدة تصدت لها منظمة التحرير، وتأتي بعد مؤتمر وارسو، وفي ذات يوم انعقاد قمة أوروبية عربية في شرم الشيخ.
ليس الموعد فقط، بل والهدف والشعار، فحركة "حماس" لم تحاول يوماً إدراج هموم مثل الرواتب التي توقفها حكومة الرئيس الفلسطيني، ضمن مشكلاتها التي تريد حلها، بل إنها حاولت في سنوات سبقت منع البنوك من صرفها لأصحابها، وبالتالي تبدو إثارتها لهذا الموضوع مجرد تسجيل نقاط ضد الرئيس الفلسطيني، ولأنها تعيش أزمة مالية.
بدلا من الاهتمام والتركيز في بلورة استراتيجية مقاومة شاملة للاحتلال، وبدلا من طرح حلول اقتصادية واجتماعية لقطاع غزة، ما دامت تصرّ على استمرار الحكم هناك، وطرح برنامج تنموي نضالي للشعب الفلسطيني، ما دامت تطرح نفسها كفصيل قيادي، تخسر "حماس" الكثير، بتشكيل تحالفاتها الداخلية، وتحركاتها الجماهيرية، وفقاً لشعارات ضيقة حياتية، ودون استراتيجية واضحة.
لو طرحت "حماس" حملة شعبية لإصلاح منظمة التحرير مع الحفاظ عليها، ولانتخابات تشريعية ورئاسية، ولبرنامج مقاومة شامل، يبدأ باستعداد حقيقي لترك الحكم في غزة، لو خسرت الانتخابات، لكسبت مؤيدين، ولكن الحقيقة أنّ حماس لم تقم بحملة معارضة غير ناجحة وحسب، بل قطعت الطريق على قوى وجهات أخرى تتبنى معارضة سياسات الرئيس الفلسطيني.