حماقة المستوطنات ثمنها باهظ ومروع

هآرتس

9/10/2020

بقلم: شاؤول ارئيلي

اضافة اعلان

قبل اسبوعين أمر رئيس الحكومة بانعقاد مجلس التخطيط الاعلى للادارة المدنية بهدف المصادقة على بناء واسع في الضفة الغربية – بحجم 5400 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات. من الواضح أن هذه الخطوة – بعد أن جمدت منذ شباط (فبراير) الماضي تخطيط البناء في الضفة الغربية من اجل عدم المس بالاتفاقات مع اتحاد الامارات والبحرين – هي ثمن سياسي للبقاء. ولكن هذه بالاساس خطوة اخرى في مسيرة الحماقة لاستمرار البناء في المستوطنات، التي هي تبذير عظيم للموارد على حساب المجتمع في اسرائيل، من خلال تعميق الوهم بأنه سيكون بالامكان املاء اتفاق سلام على الفلسطينيين وانهاء النزاع مع ضم كل المستوطنات لاسرائيل.
القليلون سيحاولون أن يشرحوا "المنطق" في خارطة "مبادرة ترامب" التي تم تبنيها بشدة من قبل نتنياهو – التي تفرض على اسرائيل وعلى الجيش الاسرائيلي بناء وحماية لحدود جديدة، اطول بثلاث مرات من كل حدود اسرائيل الاخرى – بتبريرات أمنية أكل الدهر عليها وشرب.
كثيرون آخرون سيشيرون الى السبب الرئيس وهو الرغبة في منع اخلاء للمستوطنات أو أي بؤر استيطانية غير قانونية، من اجل اعاقة تطبيق حل الدولتين. الحدود امتدت الى مسار وطول غير منطقيين من اجل ضم عشرات المستوطنات الصغيرة والمعزولة، وخلق 17 جيب اسرائيلي في المنطقة الفلسطينية و43 جيب فلسطيني في المنطقة التي سيتم ضمها لاسرائيل. الحدود المهووسة هذه ولدت سواء من اجل تقديم ثمن سياسي للمسيحانيين – القوميين المتطرفين في الليكود ومن يوجدون على يمينه، الذين يؤمنون بوصية "عليك أن ترث البلاد". أو من اجل تقديم رد على مخاوف جزء من الجمهور من "حرب اهلية"، التي ستشعل اخلاء قسري لعدد كبير من المستوطنين. هذا الوضع يشجع رافضي الاتفاق الدائم على مواصلة واستثمار افضل اموال الدولة في توسيع المستوطنات بشكل عام، خاصة المعزولة منها، والمس بالتواصل الجغرافي الفلسطيني.
حتى التوقيع على اتفاق اوسلو في 1993 فان معظم الجمهور لم ير أي عيب في المستوطنات وحتى برر اقامتها، بسبب الرفض الفلسطيني للاعتراف باسرائيل على قاعدة القرارات الدولية والتوقيع معها على اتفاق سلام. منذ أن وقعت اسرائيل على اتفاق اوسلو، القائم على قرار 242 الذي معناه بشكل عام عودة الى خطوط 1967، كان واضحا لكل رؤساء الحكومة والوزراء بأنه عندما يستجيب الفلسطينيون للحاجات الامنية لاسرائيل بواسطة ترتيبات وظيفية، على شاكلة الاتفاقات مع مصر والاردن (كما فعلوا بالفعل)، فان التحدي والعائق الاكبر امام التوقيع على الاتفاق الدائم سيكون مستقبل المستوطنات.
اذا كان الامر كذلك، فكيف عملت حكومات اسرائيل فيما يتعلق بعائق المستوطنات منذ التوقيع على اتفاق اوسلو؟ هل حسب ما يدعي الفلسطينيون، عملت كل ما في وسعها لتضخيم هذا العائق من اجل زيادة المساحة التي ستضم الى اسرائيل على حسابهم، أو ما هو اخطر من ذلك – خلق واقع يعد في نظر الجمهور الاسرائيلي واقعا لا يسمح بحل الدولتين بثمن وطني معقول؟ أو أنها عملت من اجل تقليص للحد الادنى تأثير هذا العائق في احتمالية التوصل الى تسوية؟ سنركز على هذه المسألة في منطقة الضفة الغربية لأن الاسرائيليين تم اخلاؤهم من قطاع غزة في 2005، وفي القدس وافق في الماضي الطرفين على تقسيم شرقي القدس على قاعدة ديمغرافية.
في العام 1993، بعد 26 سنة على الاحتلال والمستوطنات، كان يعيش في منطقة الضفة الغربية 110 آلاف اسرائيلي 2 % من اجمالي سكان اسرائيل) الذين 75 % منهم كانوا يعيشون في كتل وبمحاذاة الخط الاخضر، أي حسب افتراض تبادل المناطق الموافق عليه من قبل الفلسطينيين فان تحدي الاخلاء الاسرائيلي شمل فقط 27 ألف شخص، أو 6500 عائلة. هذا العدد يشكل حوالي نصف بالمائة من سكان اسرائيل، أو ثلث عدد الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في مناطق ج – ومن يطالبون بضمهم مستعدون لاعطائهم حتى الجنسية الاسرائيلية. هذه كانت ارقام مرفوضة تماما من الناحية الوطنية لأن اسرائيل استوعبت في نفس العقد مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي سابقا.
كيف تصرفت حكومات اسرائيل في الفترة الواقعة بين التوقيع على اتفاقات اوسلو وحتى المباحثات على الاتفاق الدائم في كامب ديفيد 2000 – وهي سبع سنوات توزعت بين نتنياهو واسحق رابين، وشمعون بيرس واهود باراك؟ وقد أدت الى زيادة تبلغ 80 ألف اسرائيلي في الضفة الغربية (زيادة تبلغ 73 %). 62 % منهم نتيجة الهجرة من مناطق الخط الاخضر. في كامب ديفيد اقترح باراك ضم 13 % من الضفة مع 156 ألف نسمة الذين يشكلون 82 % من اجمالي الاسرائيليين في الضفة الغربية. اذا كان الامر كذلك فانه اضيف للاخلاء المستقبلي، حسب موقف اسرائيل نفسها وبمسؤوليتها، 7 آلاف نسمة أو 1700 عائلة (زيادة تبلغ 20 %).
حتى العام 2001 ارتفع عدد الاسرائيليين في الضفة الغربية الى 201 ألف. على خلفية الانتفاضة الثانية هبط عدد القادمين من مناطق الخط الاخضر الى
30 % من اجمالي الزيادة السنوية في عدد الاسرائيليين في الضفة الغربية. في محادثات طابا التي جرت في نفس السنة، عرض باراك أن يضم لاسرائيل 6 – 8 % من الاراضي مع 145 ألف اسرائيلي (72 %)، الامر الذي زاد عدد المتوقع اخلاؤهم الى 56 ألف شخص – اكثر بضعفين مما كان في 1993. الفلسطينيون عرضوا ضم 3 % من الاراضي مع 96 ألف اسرائيلي فقط واخلاء الـ 105 ألف المتبقين.
اثناء المحادثات في انابوليس 2008 وبعد سبع سنوات اخرى، توزعت بين رؤساء الحكومة اريئيل شارون وايهود اولمرت، فان عدد الاسرائيليين في الضفة الغربية ارتفع مرة اخرى بـ 90 ألف (زيادة تبلغ 44 % مقارنة مع 2001)، ووصل الى 291 ألف شخص. 32 ألف منهم نتيجة الهجرة من داخل الخط الاخضر (36 %). اولمرت اقترح في المفاوضات ضم 6.5 % من اراضي الضفة مع 211 ألف اسرائيلي واخلاء 80 ألف مستوطن – وهو ثلاثة اضعاف مما طلب من اسرائيل في 1993. في الاقتراح الفلسطيني عدد الاسرائيليين الذين كان يجب اخلاؤهم قفز الى 176 ألف شخص.
عقد كامل تحت حكومة نتنياهو رفع عدد الاسرائيليين في الضفة الغربية في نهاية 2018 الى 428 ألف – زيادة تبلغ 47 % منذ انابوليس. نسبتهم مقارنة بسكان اسرائيل ضوعفت بمرتين ونصف المرة من نسبتهم في 1993 وبلغت 4.8 %. يجب التأكيد أنه في العقد الذي كان تحت ولاية نتنياهو، ورغم الهدوء النسبي، فان نسبة الهجرة من مناطق الخط الاخضر الى الضفة الغربية انخفضت بالتدريج لـ 20 % من مجمل الزيادة، في حين أن الزيادة الطبيعية في الضفة الغربية – نصفها في موديعين عيليت وبيتار عيليت – قفزت بالتدريج الى 80 % من مجمل الزيادة. الوسط المتدين، الذي فقط 6 آلاف شخص من ابنائه كانوا يسكنون في الضفة الغربية في 1993 (5.5 % من اجمالي الاسرائيليين في الضفة الغربية)، تحول الى "محرك النمو" لسكان المستوطنات. في 2018 وصل عددهم الى 150 ألف شخص (35 % من السكان الاسرائيليين في الضفة الغربية)، وخلال عقد يتوقع أن يصل عددهم الى نصف اجمالي الاسرائيليين في الضفة الغربية.
اكثر من نصف التصاريح الجديدة للوحدات السكنية (2929) ستخصص للمدينة الاصولية بيتار عيليت. واذا فحصنا اقتراح اولمرت في 2008 في ضوء الواقع الحالي فانه في نهاية المطاف اسرائيل مطلوب منها حسب موقفها وبمسؤوليتها، أن تخلي 114 ألف اسرائيلي. أي عدد يفوق مجمل عدد الاسرائيليين الذين كانوا يسكنون في الضفة الغربية في 1993، وهو اكبر بـ 4.2 ضعف من عدد الاسرائيليين الذين كان يجب اخلاءهم في 1993.
من هذا التحليل يتضح أن اسرائيل، بكل رؤساء حكوماتها، اختارت سياسة أدت الى تضخيم العائق الذي يكتنف اخلاء اسرائيليين، وذلك عن طريق تمكينها وتشجيعها للهجرة، البناء وتوسيع المستوطنات بشكل عام، والمستوطنات المعزولة الواقعة خارج الكتل الرئيسية بشكل خاص. رؤساء الحكومة فعلوا ذلك لاسباب مختلفة: باراك اعتقد أنه سيتم التوصل الى اتفاق دائم في عهده، لهذا ليس هناك معنى لزيادة 2000 شخص سيتم اخلاؤهم. ونتنياهو رأى في زيادة المستوطنين أداة للقضاء على حل الدولتين واقناع الجمهور أنه بالامكان فرض حكم ذاتي ثقافي فقط على الفلسطينيين.
عدد الاسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية زاد منذ اتفاق اوسلو بـ 289 %، في حين أنه في دولة اسرائيل كلها ازداد عدد السكان 68 %. بكلمات اخرى، في الـ 26 سنة الاخيرة، من حرب الايام الستة وحتى اتفاق اوسلو، ازداد عدد المستوطنين 4 آلاف شخص في كل عام بالمتوسط. في حين أنه بالتحديد بعد التوقيع على اتفاق اوسلو، في الـ 27 سنة التي مرت منذ ذلك الحين اضيف 12 ألف شخص في كل سنة بالمتوسط. اسرائيل فضلت المستوطنات حتى على شرقي القدس، هناك زاد عدد الاسرائيليين من 115 ألف شخص في 1993 الى 218 ألف شخص في 2018 (زيادة تبلغ 89 %).
في العقد الماضي، تحت حكم نتنياهو، اساس البناء هو بالتحديد في المستوطنات المعزولة، والحكومة حتى صادقت على مليارات الشواقل من اجل تحسين الشوارع التي توصل اليها. في اطار المصادقات الجديدة خصص تقريبا 2000 شقة للمستوطنات المعزولة في عمق الاراضي الفلسطينية، مثل عيلي (629)، شيلو (141)، هار براخا (286)، بني كيدم (120)، عيناف (181)، شمعة (21). لو جمدت اسرائيل توسيع المستوطنات المعزولة فان التحدي الذي كان يقف امامها خلال المفاوضات لاخلاء سكانها، كان سيتقلص من ناحية وزنهم النسبي من اجمالي عدد السكان الاسرائيليين في الضفة الغربية. عدد سكان الـ 17 جيب اسرائيلي الموجودة في خطة ترامب – التي في كل سيناريو ستدمر التواصل الجغرافي الفلسطيني، والتي كانت معدة للاخلاء على يد شارون في اطار خطة الانفصال – كان 5100 شخص في 1993، وهو عدد تضاعف باكثر من ثلاث مرات حتى 2018 – ووصل الى 16400 شخص.
رغم كل الخطوات فان هذه السياسة التي هي عديمة المسؤولية الوطنية، فشلت في خلق واقع ديمغرافي وجغرافي من شأنه أن يفرض على الفلسطينيين مبادرة ترامب، أو أي اقتراح آخر غير قائم على تبادل الاراضي بنسبة 1: 1، أو يمنع تواصل جغرافي لاراضي الدولة الفلسطينية ويمس بنسيج حياة سكانها. وهي ايضا لم تنجح في تغيير سياسة الدول العربية، أو حتى التي وقعت معها على اتفاقات مؤخرا، أو حتى سياسة دول العالم. كل هذه ما زالت ترى في خطوط 1967 اساس للحدود المستقبلية، مع تبادل اراضي بنسبة 1: 1. هذه السياسة لم تنجح حتى في الغاء احتمالية حل الدولتين لأن اسرائيل يمكنها أن تبقي تحت سيادتها 80 % من الاسرائيليين الذين يسكنون خلف الخط الاخضر في اقل من 4 % من اراضي الضفة. ويمكنها استيعاب من سيتم اخلاءهم من ناحية السكن والتشغيل.
سياسة توسيع المستوطنات في الضفة الغربية كانت وما زالت غالية بشكل مروع على دولة اسرائيل في المجال الامني، الاقتصادي والاجتماعي. معظم قوات الامن في الضفة مشغولة بحماية المستوطنات ومحاور الحركة اليها. وكذلك منع ارهاب "تدفيع الثمن"(منظمة صهيونية). وفي كل سنة اسرائيل تضطر الى زيادة دعم المستوطنين الذين تصنيفهم يهبط بالتدريج الى اسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي. كلما مر الوقت فان هذه السياسة لا تحقق أي شيء باستثناء زيادة الثمن الذي ندفعه اليوم والذي سيكون علينا دفعه في المستقبل.