حملة العلاقات العامة الإسرائيلية والرد الفلسطيني

لم يكن ضروريا دخول القدس صباح يوم الجمعة الماضي، لتعرف مدى الإقبال للقدوم إليها. حيث اصطفت باصات تحمل أسماء قرى ومدن شمال الضفة الغربية؛ من جنين ونابلس وغيرهما، قريباً من معبر قلنديا شمال القدس. وعلى الأغلب، حصل الشيء ذاته جنوباً، على معابر بيت لحم. فهل كانت القرارات الإسرائيلية؛ الإعادة جزئياً ومؤقتاً للفلسطينيين حقهم في دخول القدس، جزءا من حملة علاقات عامة، استفزت في تفاصيلها القيادة الفلسطينية، ومن ثم جاءت عملية طعن القدس لتخلط الأوراق؟ اضافة اعلان
يقول أكاديمي فلسطيني معقباً على أنباء قرار صادر عن الرئاسة الفلسطينية، يرفض "التسهيلات" الإسرائيلية -بسبب طلب إسرائيلي اعتبر مسيئاً وخطراً، تداوله الإعلام، وقوامه أن يقوم رجال الأمن الفلسطينيون بتفتيش حافلات تقل الفلسطينيين قبل دخول القدس، إضافة إلى حديث عن خطورة القرار اقتصاديا لقيام فلسطينيين لا يلتزمون بالمقاطعة بالشراء من الأسواق الإسرائيلية- بأنّه يجدر الالتزام إذا صدر قرار رئاسي حقاً. لأنّ الأمر سيخرج، بحسب هذا الأكاديمي، إلى حيز صراع قرارات وإرادات. وأنّ الالتزام واجب، حتى ممن يقف في صف معارضة الرئيس وسياساته. فالأمر هنا هو الالتزام  بقرارات فلسطينية ضد الطرف الآخر، بغض النظر عن المواقف السياسية وعن هوية الرئيس.
قابَلَت سيدة (ربة بيت) طرح هذا الأكاديمي، الذي جاء في سياق مناسبة اجتماعية رمضانية، بالاستهجان، والقول: هل حقاً هذا موقفك؟ هذه فرصة للذهاب للقدس والداخل.
تشعب الجدل إلى مسألة ما إذا كانت فكرة التصاريح للدخول للقدس تحديداً، خصوصاً للصلاة، يجب أن تكون مقبولة من حيث المبدأ؛ ولماذا لا يجري التنازل أيضاً عن بطاقات كبار الشخصيات "VIP"، التي تعطي لبعض الرسميين الفلسطينيين والتجار ميزات تنقل ممنوعة على باقي الفلسطينيين.
حملة منح التصاريح غير المسبوقة للفلسطينيين للدخول للقدس، وهي تصاريح ظهرت للوجود بعد إغلاق القدس في التسعينيات، رافقتها حملة علاقات عامة مارسها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، والناطقون باسم الجيش الإسرائيلي، تضمنت إذاعة تهنئة متلفزة بمناسبة شهر رمضان، وإفطارات رمضانية لحفنة جنود من القلة القليلة من العرب الذين ارتضوا الخدمة في الجيش. والتصاريح، كما حملة العلاقات العامة الرمضانية، ربما تأتي في إطار محاولة تقليل التوتر، وتجميل وجه الحكومة الإسرائيلية، كما محاولة محو آثار التصريحات والسياسات العنصرية، خصوصاً إبّان الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، من قبل نتنياهو نفسه حينها، ما أدى إلى انتقادات دولية له. وربما تكون هذه الإجراءات (التصاريح) ذات بعد اقتصادي، لتنشيط السوق الإسرائيلية. وفي كل الحالات، فإنّها إجراءات تضعف السلطة الفلسطينية، بطرق، أولها، توضيح أنّ صاحب المبادرة في كل شيء هو الإسرائيليون، ومن دون تنسيق مع الفلسطينيين، وإذا أريد التنسيق فهو لضمان تنازل أمني فلسطيني جديد.
جرى الإعلان فلسطينيا أن الأمر سُوي، وعاد ممكناً توزيع التصاريح. وكان سيكون سلبيا للغاية لو أعلنت الجهات الرسمية الفلسطينية قراراً بمقاطعة التصاريح الإسرائيلية، ولم يلتزم الجمهور الفلسطيني، بسبب عدم إدراكه أو توعيته لمعنى الأمر، ولأنّ الفصائل والعمل التنظيمي الشعبي لم يعودا فاعلين في الحياة اليومية، ما يجعل الفلسطيني العادي يتعامل مع القرار الرسمي من دون إدراك للبعد الوطني أحياناً، ولعدم الشعور بجدية رسمية في الأمر، ولأن السلطة الفلسطينية لا تسيطر فعليا على الحركة أو التحرك على الأرض والطرقات. 
بدا الأمر، من جهة، سياسة إسرائيلية رسمية، جَنّدت لها أدوات الدبلوماسية الشعبية، تقابلها مواقف رسمية فلسطينية، غير واضحة تماماً. ومن جهة ثانية، بدا أنّ الشارع الفلسطيني لا يتوقف كثيراً عند الجدل السياسي، ويتعامل مع معطيات حياته اليومية بمعايير الممكن والمتاح له للتحرك والتنقل والتنفس. ثم جاءت عملية إطلاق النار قرب قرية دير بزيغ غرب رام الله، يوم الجمعة الماضي، وقتل فيها مستوطن، ثم عملية طعن جندي في القدس، من قبل شاب جاء من جنوب الضفة الغربية، يوم الأحد الماضي، لتوجها عدة رسائل، منها، أولا، أنّ حملات العلاقات العامة تتحول لفقاعات أمام واقع الاحتلال الضاغط، وعشرات حالات الحصار حول القرى والمدن، على شكل حواجز وجدران وأسلاك شائكة ومستوطنات. وثانيا أنّ مخاطبة الرأي العام العالمي، وحتى حالة الجدل التي قد تنشأ بين الإسرائيليين والقيادة الفلسطينية، ليسا المحرك الحقيقي لما يحدث على الأرض.