حمى البحر الأبيض المتوسط: مرض وراثي غير معروف السبب

 الدكتور نعيم أبو نبعة

يحدث حمى البحر الأبيض المتوسط أو التهاب الأغشية المصلية الشامل (المتكرر) في أغلبية الحالات عند سكان  حوض البحر الأبيض المتوسط, وهو مرض وراثي عائلي غير معروف السبب.

اضافة اعلان

وتصل نسبة حدوثه أحياناً إلى حالة واحدة كل مائتي شخص في بعض التجمعات السكنية, إلا أنها في بعض العائلات قد تصل إلى شخص حامل للمرض من بين كل عشرة أشخاص.

وتتمثل الملامح البارزة للمرض بتكرار أزمات التهاب المنطقة المصلية أو غشاء منطقة البريتون (الذي يغطي جدار البطن من الداخل) حيث يكون مصاب في أغلبية الحالات, بالإضافة إلى إمكانية حدوث التهاب في غشاء الرئة (البلويرا) والتهاب بعض المفاصل في الجسم, ويكون كل ذلك مصحوباً بارتفاع في درجة الحرارة.

الأعراض:

تعتبر الميزة البارزة لحمى البحر الأبيض المتوسط حدوث الأعراض على شكل نوبات شديدة وبشكل مفاجئ و بدون سابق إنذار وتكون النوبة في ذروتها وأشدها بعد اثنتي عشرة ساعة من بدايتها.

وبالرغم من أن هذا المرض يمكن ان نشاهد بداية أعراضه في الأسابيع الأولى بعد الولادة, إلا أن 50% من المرضى تظهر عندهم الأعراض في العشر سنوات الأولى من العمر, وفي حوالي 80% من الحالات تظهر قبل سن العشرين, وفقط في 5% تكون بداية الأعراض بعد سن الثلاثين.

وتستمر أزمة المرض في أغلبية الحالات لمدة 24 – 48 ساعة فقط ونادراً ما تستمر الأعراض لعدة أيام لتختفي بعد ذلك وتظهر من جديد بعد اسابيع او اشهر.

ويعاني المريض خلال الأزمة من الم في البطن وارتفاع في درجة الحرارة لمدة ساعات واحياناً آلام في الصدر وفي بعض المفاصل, وعند فحص المريض قد يشخص البعض الحالة بالخطأ على أنها بطن جراحي بحاجة الى عملية استكشاف مستعجلة للبطن.

ولكن عند الانتظار بعض الوقت يفاجأ بعد ساعات ان البطن بدأ بالعودة بشكل تدريجي الى حالته الطبيعية وبدأت الأعراض الأخرى بالانحصار تدريجياً الى ان تختفي بالكامل, ولكن الأعراض تعود وبنفس الشدة بعد أسابيع او بعد أشهر أو أكثر من ذلك بقليل.

-ارتفاع درجة الحرارة: تعتبر ارتفاع درجة الحرارة من المميزات الثابتة في جميع أزمات المرض, وترتفع درجة الحرارة خلال الازمة بشكل مفاجئ يسبقها رعشة وعادة ما تبدأ بعد ظهور آلام البطن, والصدر, والمفاصل وتختفي قبل انتهاء تلك الأعراض.

ويستمر الارتفاع في درجة الحرارة لمدة ساعات او ايام الا انه من النادر جداً استمرارها مرتفعة لمدة أسبوع, واحياناً نجد ارتفاعا بسيطا في درجات الحرارة خلال الازمة الخفيفة, الا ان الاغلبية العظمى من الحالات تكون درجة الحرارة خلال ازمات حمى البحر الابيض المتوسط ما بين 38-40 درجة.

ومن الجدير بالذكر بأن هناك حالات نادرة يكون ارتفاع درجة الحرارة فيها العرض الوحيد للمرض.

-آلام في البطن: خلال أزمات حمى البحر الأبيض المتوسط يعاني المريض في أغلبية الحالات من آلام في البطن تبدأ بشكل مفاجئ في المنطقة العليا الوسطى من البطن (منطقة المعدة) وكذلك في المربع الأيمن العلوي والسفلي, وفي بعض الحالات ينتشر الألم الى مختلف مناطق البطن.

وأحياناً تكون الآلام مصطحبة بتقيؤ وإمساك, وفي حوالي 25% من الحالات نجد تضخما في الطحال خلال الأزمات الحادة.

وتختلف شدة الألم من شخص لآخر ومن مرحلة لأخرى وتتراوح ما بين ألم بسيط في البطن الى الم شديد جداً مع علامات تهيج بريتوني (في منطقة البريتون) وهذا ما يجعل بعض الأطباء يخطئون ويشخصون الحالة بأنها بطن جراحي بحاجة الى عملية مستعجلة. وغالباً ما يعاني المريض من إمساك خلال الأزمة وإسهال بعد خمودها وانتهائها.

-آلام الصدر: يحدث الألم في الصدر نتيجة التهاب الغشاء المغطي للرئة أو الغشاء المغطي للقلب, وبالرغم من أن مريض حمى البحر الأبيض المتوسط يعاني من آلام في الصدر في نصف الحالات تقريباً إلا أنها نادراً ما تكون المسؤولة عن بداية الأزمة المرضية.

-آلام في المفاصل: شدة اصابة المفاصل بهذا المرض تعتمد على نوعية السلالة الاجتماعية التي اقيمت عليها الدراسة  حيث أن آلام المفاصل تتواجد أكثر في بعض المجتمعات العرقية وتكون أقل في مجموعات.

ويعتبر مفصل الركبة ومفصل رسغ القدم ورسغ اليد أكثر المفاصل اصابة في هذا المرض.

التشخيص:

بالرغم من أن فحص الجينات أصبح ذا أهمية كبيرة في تشخيص الحالات المشتبه بها إلا أن التشخيص ما زال يحتاج الى درجة عالية من الشك والاشتباه بالمرض ويعتمد على مقياس درجة التهاب الاغشية المصلية الشامل المتكرر وكذلك على القصة المرضية

ويكون التشخيص اكلينيكياً بمراقبة وتدوين وتحليل الاعراض التي يعاني منها المريض مثل

الشكوى على الأقل من أربع مرات من ازمات ألم البطن, أو في الصدر, أو الاثنين معاً لفترات تستمر كل منها لمدة 24-72 ساعة وتكون الاعراض مرافقة للسخونة.

•غياب أي عامل مسبب لتلك الاعراض يمكن ان يفسرها.

•عدم وجود أية أعراض في الفترة ما بين انتهاء الازمة الحالية و قدوم الأخرى.

•كون المريض من الدول المحيطة بالبحر الابيض المتوسط.

•وجود داء نشواني مع اصابة في الكلى.

•وجود العامل الوراثي العائلي.

•الاستجابة للعلاج المستمر بالكولستشين Colchicine حيث انه اذا كان الكولستشين يخلص المريض من الأزمات أو يقلل من عددها, في هذه الحالة يكون التشخيص أكيدا بأنه حمى البحر الأبيض المتوسط لأن الكولستشين لا يساعد في ازالة الاعراض من أمراض أخرى تسبب أعراض مشابهة. 

*هناك تجارب وذلك باعطاء بعض المواد المحرضة للمرض عن طريق الوريد مثل Metaraminol والتي تؤدي بعد 48 ساعة من اعطائها الى ظهور ألم في البطن وفي المفاصل والتهاب غشاء الرئة بالاضافة الى ارتفاع في درجة الحرارة.

*و هناك فحص آخر و ذلك بتحديد نسبة (Dopamine beta-hidroxilasa) في الدم حيث تكون مرتفعة في حالة وجود المرض.

*لغاية وقت قريب كان تحليل المختبر الوحيد لهذا المرض هو توثيق وجود نقص في العامل (C5a-Inhibitor) في سوائل المفاصل او سائل الاغشية المصلية.

*فحص الجينات في المختبر: يعتبر فحص الجينات في المختبر احدى الإجراءات الإضافية التي يجب إجراؤها عند وجود شك بهذا المرض ومن أجل التشخيص, ومن المعروف ان الجين المسؤول عن هذا المرض والمسمى (MEF)  يخضع لتحويلات وتبديلات عبثية من بينها M6801, M694V, V726A وهذه التحويلات هي التي تحدث في اغلبية حالات مرض حمى البحر الابيض المتوسط. ومن اجل الكشف وتوثيق هذه التحويلات يعتبر الفحص المخبري المسمى (ARMS)  سريعا، دقيقا ومقبول الثمن، وبهذه الطريقة نستطيع اكتشاف التغييرات الثلاثة الأكثر حدوثاً في الجين الخاص بمرض حمى البحر الأبيض المتوسط.

ويعتبر إجراء الكشف المسحي أو الفحص الجماعي للجينات المعدلة عبثياً ذا فائدة كبيرة في تأييد وإثبات التشخيص السريري, ولكنه كذلك مهم في تقييم أفراد عائلة المصاب لمعرفة حاملي المرض منهم.

وكذلك فإن هذا الكشف مهم في تفهم العلاقة المعقدة ما بين تعديلات الجين MEFV  العبثية وحدوث أو غياب الأعراض السريرية.

المضاعفات:

داء نشواني (Amyloidosis): حوالي 25% من مرضى حمى البحر الأبيض المتوسط يتحولون الى داء نشواني الذي يؤدي الى فشل كلوي, وهو مرض ناتج عن ترسب مادة الأميلويد في عدة أعضاء داخل الجسم مما يؤدي الى حدوث عدة أعراض مختلفة حسب العضو المصاب, ويكون نوع النشوانية الناتج عن حمى البحر الأبيض المتوسط نوع AA. ويعتبر داء نشوانية أهم مضاعفات حمى البحر الأبيض المتوسط والذي يسبب الوفاة في اغلبية حالات حدوثه.

ويظهر داء النشوانية بعد فترة من ظهور الأعراض المعروفة لحمى البحر الأبيض المتوسط الا اننا احياناً اخرى قد نجد النشوانية كأول أعراض حمى البحر الأبيض المتوسط وقبل ظهور الأعراض الأخرى المتمثلة بارتفاع درجة الحرارة وآلام في البطن.

وقد لوحظ أن نسبة ظهور النشوانية في هذا المرض تختلف حسب المنطقة التي ينحدر منها المصاب حيث تقول الدراسات أن نسبتها عالية في تركيا وتصل الى حوالي 60% من المصابين, ولكنها نادرة الحدوث عند الأرمن والعرب, وبالرغم من تلك الاحصائيات الا اننا في الأردن نشاهد بين الحين والآخر حالات من النشوانية ناتجة عن حمى البحر الأبيض المتوسط.

ويصيب داء النشوانية الكليتين على عدة مراحل:

(1)المرحلة الأولى: قبل ظهور الأعراض ويكون التشخيص بأخذ خزعة (عينات) من الكلى التي تبين وجود ترسبات الأميلويد في العينة المذكورة.

(2)المرحلة الثانية: عندما نجد بروتين في البول والذي قد يكون معتدلا ومتناوبا او متقطعا ولا نجده في كل عينات البول, ولكنه يتحول مستقبلاً ومع الوقت الى دائم الوجود في البول, واحياناً يرافقه وجود دم في البول, ومن المعروف ان المرحلة الثانية تستمر لفترة ما بين سنتين وعشر سنوات.

(3)المرحلة الثالثة: الفشل الكلوي Nephrotic fase.

(4)المرحلة الرابعة: المرحلة اليوريمية او حدوث الأوريميا و هو بولينية الدم Uremia.

العلاج الطبي:

*علاج المراحل الحادة من المرض: تعتبر المستحضرات الغير استيرويدية المضادة للالتهاب أكثر الأدوية استعمالاً في المراحل الحادة من المرض, ولكن الحقيقة انه لسوء الحظ لا يوجد دواء أثبت فاعليته الواضحة في علاج الحالات الحادة من هذا المرض

ولا ينصح باستعمال الأفيون أو ما شابه ذلك لأن هذا المرض مزمن وهناك خطر التعويد والتبعية للأفيون

ومن الجدير بالذكر ان فعالية دواء الكولتسشين في المراحل الحادة للمرض هي فعالية مشكوك فيها, (كولتشسينColchicine  له فعالية لمنع تكرار أزمات المرض وكذلك لمنع حدوث داء نشواني), واما المرضى الذين لا يتحملون الكولتشسين فيمكن توزيع الجرعات على أربع مرات يومياً وبعد ذلك محاولة زيادة الجرعة تدريجياً.

*العلاج الوقائي لمنع حدوث أزمات حادة من مرض حمى البحر الأبيض المتوسط:

أصبح دواء الكولتشسين  Colchicine الحجر الأساسي في علاج هذا المرض منذ ان قال الدكتور جولدفنجر Goldfinger  ان الاستعمال اليومي للكولتشسين يمكنه منع حدوث الأزمات الحادة للمرض.

و الجرعة اليومية هي من واحد الى اثنين ملغم يومياً وطوال الحياة موزعة على جرعتين او ثلاث, وبهذه الوسيلة يمكننا منع حدوث أزمات مرضية في حوالي 65%  من الحالات, بينما في الثلاثين بالمائة الباقون فإن استعمال الكولتشسين يجعل أزمات المرض عندهم اقل حدة واقل قوة ومتباعدة اكثر, أما الـ5% المتبقية فإن استعمال الكولتشسين لا يحدث أي تغيير لا في قوة الأزمات ولا في تباعد الفترات بينهما, وبالرغم من ذلك فإن هؤلاء الخمسة بالمائة يستمرون بتناول 2 ملغم يومياً لمحاولة منع حدوث داء النشوانية, ومن الجدير بالذكر أن زيادة كمية الجرعة لا يؤدي الى استجابة أحسن.

والمرضى الذين لا يستجيبون للكولتشسين يمكن اعطاؤهم انترفيرون ألفا حيث لوحظ أن الانترفيرون قد يستجيب له تلك المجموعة من المرضى.

وفي كل الأحوال يجب التذكير أن دواء الكولتشسين يمكن أن يحدث آثاراً جانبية من بينها: غثيان, إسهال, تقلصات في البطن وكذلك يمكن أن يحدث ضررا في بعض الكروموسومات وقد يؤدي الى العقم وعدم الإنجاب

 

استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد