حمى عربي مستباح

يُقال عن العرب بأنهم لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يقيمون وزنًا للنتائج ولا يقدرون العواقب وفهم الواقع.. قبل حرب حزيران العام 1967، أو ما يُسمى بـ"النكسة"، قام وزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان بنشر خطته في إحدى الصحف الإسرائيلية اليومية، وللأسف نفذها بالتفصيل على أرض الواقع، واستطاع خلال ستة أيام فقط احتلال الجولان السوري وسيناء المصرية والضفة الغربية.اضافة اعلان
لقد قام جيش الكيان الصهيوني، بإعادة الكرة مرة جديدة، وإن كانت مختلفة هذه المرة، فقد أقدم، وخلال أقل من أسبوع، على قصف أربع دول عربية، على مرأى ومسمع قواتها ومواطنيها وأسلحتها وعتادها ودفاعاتها الجوية.
فقد شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارات على مواقع لفيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني وميليشياته في محيط أقدم عاصمة في التاريخ (دمشق)، فضلًا عن ثلاث غارات على مقر القيادة العامة للجبهة الشعبية الفلسطينية في منطقة قصاي على الحدود السورية اللبنانية، بينما كانت طائراته الحربية تقصف غزة، وكذلك مقر الحشد الشعبي بمنطقة القائم قرب الحدود العراقية السورية.
بعيدًا عما يُقال ويُحلل ويُفند، بأن إسرائيل المغتصبة، تُريد من كل ذلك توجيه رسائل لإيران بأنها قادرة على الوصول إليها وأذرعها المختلفة، في أي وقت تشاء، أو أن هدفها دواع انتخابية، إذ إن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يُريد تحقيق نصر في الانتخابات التي يخوضها خلال أيام.
بعيدًا عن كل ذلك، فإن المواطن العربي يخرج بنتيجة رئيسة واحدة، مفادها أن "الحمى العربي" مُستباح، من قبل دولة الكيان الغاصب، وأنها قادرة على استباحة أي جزء منه متى تشاء، وكلها يقين بأن الأمة العربية لن تُحرك ساكنًا، وبالأخص بعد أن تم إضعاف أقوى ثلاثة جيوش عربية، العراق وسورية ومصر.
لقد وصلت دولة الاحتلال من الكبر والعنجهية إلى درجة، أعلنت فيها عن الهجمات العدوانية الأخيرة قبل تنفيذها، وسط سُبات عربي إن لم يكن موتا أو ذلا أو هوانا.. لقد وصل الاستهتار بالأمة العربية إلى درجة أصبح الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين يكتب على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، مخاطبًا العرب: "وين بدكم القصف القادم".
أي مرحلة من الخنوع والخضوع والمهانة والانبطاح، وصل إليها العرب.. فتلك الدول اكتفت كالعادة بالتنديد والاستنكار.. باستثناء غزة، المحاصرة والمخنوقة عربيًا وصهيونيًا، فهي الوحيدة التي ردت على التجبر الإسرائيلي واعتداءاته، فأطلقت ثلاث قذائف باتجاه جنوب إسرائيل، تم اعتراض اثنين منها بواسطة القبة الحديدية، فيما سبب الثالث رعبًا للصهاينة المحتلين.
لعبة انتخابية أم تأزيم للوضع الإقليمي أم ضرب إيران.. كل ذلك لا يهم، فالأهم أنه عندما تُستباح دول عربية بهذه الطريقة، فكأنما هناك رسالة بأن العدو قادر على أن يعاود ذلك مرارًا، لا بل نخشى أن يتم إعادة سيناريو "النكسة" من جديد بطريقة مشابهة لما حصل في العام 1967، خصوصًا وأن المنطقة غير مستقرة، حيث تشهد هذه الأيام تطورات أمنية وسياسية متسارعة، وما يُعرف بـ"صفقة القرن" ليس عنها ببعيد.
صحيح بأن إسرائيل تشن هجمات منذ أعوام على مواقع أو جماعات تابعة لإيران، لكن هذه المرة مختلفة نوعًا ما، فقد كررت المشهد في أربع دول وخلال أقل من سبعة أيام.. وكأنها تقوم بعمل "بروفة"، لما تُفكر فيه، فجميعنا يعلم بأن الكيان الصهيوني لا ولن يكتفي بفلسطين وحدها.
إذا كان نتنياهو يقول "من ينوي قتلك، اقتله أولًا"، فلماذا نحن متسامحون مع دولة اغتصبت أرضا عربية إسلامية، ونكلت بأهلها نساء وأطفالًا وشيوخًا وشبابًا، أم نحن بالفعل في أكثر مراحل الجبن والهوان؟