حوار ضروري مع "حزب الله"

 يصدر بين الحين والآخر بيانات من علماء سنّة سلفيين يوجهون فيها اتهامات، ضد "الشيعة" بمن فيهم "حزب الله" في لبنان، ومن هذه البيانات، ما نسب الشهر الماضي إلى 22 من علماء الشريعة السنّة في السعودية، اتهموا فيه "كثيرا من المسلمين من المتعلمين والمثقفين فضلاً عن العامة" بأنهم "قد انخدعوا وينخدعون بمزاعم الرافضة" في محاربة اليهود وإسرائيل "كما حصل من الانخداع بمزاعم من يسمى بحزب الله في لبنان".

اضافة اعلان

وبعيدا عن العداء الطائفي والمذهبي الذي يريد كثير من الشيعة والسنة إثارته، وترويجه، فإنّ من السذاجة والتخبط التشكيك بقدرات حزب الله في التصدي لإسرائيل، أو التشكيك بصدق العداء بين الحزب وإسرائيل، فالقدرات التنظيمية والعسكرية والتعبئة العقائدية لدى حزب الله أكبر وأكثر تقدما من أن يشكك بها أي شخص موضوعي. وهذا النهج من النقد يعبّر عن أمرين: أولا، البعد الطائفي في الخطاب. والثاني، محاولة التهرب من حقيقة أنّ النظام العربي الرسمي وحركات المقاومة المختلفة، عبر عقود من الزمن فشلت أن تحقق ما حققه حزب الله. ويشكل محاولة من الهروب من أنّ تحالف حركات مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" مع إيران، هو في جزء منه تعبير عن يأس قطاعات عربية واسعة من الحل العربي، ومن قدرة النظام العربي على احتواء هذه الحركات. 

ولكن هذا النهج من النقد يثير أيضا إشكالية غياب أشكال أخرى من النقد والقراءة العقلانية لظاهرة "حزب الله". وهو نقد ومراجعة يمكن أن يأخذ شكل الحوار المباشر والعلني مع الحزب، في لقاءات مع قياداته أو عبر الإعلام، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل. فبقدر ما لا يجوز لانتصارات حزب الله، أن تدفع لتصعيد الخطاب الطائفي، ولا يجوز لبعض العلمانيين تشجيع هذا النقد وغض النظر عن محتواه الطائفي،  لا يجوز كذلك أن تؤدي نشوة اللحظة بسبب انتصارات حزب الله، لإغفال قضايا مهمة، من نوعية التحول العلني للحزب، إلى جزء من منظومة "الولي الفقيه". وقد شهدنا الأسابيع الماضية تصعيدا كبيرا في خطاب حزب الله، الذي يعلي شأن هذه المنظومة، بدءا من خطاب أمين عام الحزب، حسن نصرالله، الشهير، الذي قال فيه إنّه يفتخر بالانتماء لحزب الولي الفقيه،  مرورا بالهتافات ومظاهر الاحتفال التي رافقت صفقة تبادل الأسرى الأخير في لبنان، فكشافة الحزب بمناسبة الصفقة كانوا يسيرون ويهتفون هتافات من نوع "نحن جند الحسين، نحن جند الخميني، الله واحد، خميني قائد، خامنئي قائد". كما ردد عسكريو حزب الله بالمناسبة هتاف "عهداً لك خميني، نبايعك خامنئي".

ويمكن أن تقوم أجندة الحوار أو الجدل مع حزب الله، على أساس ضرورة معرفة المعنى السياسي لإعلان الحزب الالتزام بمرجعية الولي الفقيه، وخصوصا فيما يتعلق بالنقاط التالية:

1-معنى هذه المرجعية بالنسبة لسيادة الدول العربية، خاصة أنّ إيران تتبنى وبوضوح وكما يعرف أي شخص يتابع التصريحات والبيانات والاجتماعات الإيرانية الرسمية عن كثب، داخل إيران، خطابا قوميا فارسيا واضحا جدا، ينتقص من العرب وحضارتهم وتراثهم، ويعادي جزءا كبير من رموز التاريخ الإسلامي، بدءا من الخلفاء الراشدين مرورا بصلاح الدين الأيوبي، وهذا الخطاب يتضمن الادعاء بالتفوق الحضاري الفارسي على العرب، ويؤسس لنزعة استعمارية إمبراطورية، شبيهة بالنزعة التركيّة إبان الحقبة العثمانية.

2-يرتبط بالنقطة السالفة قضية الوطنية في العالم العربي عموما، ففي ضوء تبني إيران وحزب الله بروز مرجعية واحدة تجمع الشيعة في دول عربية مختلفة (مرجعية الولي الفقيه الإيراني)، فإنّ ذلك لا يعني تدمير الدولة القطرية العربية وحسب، بل وتفتيت العرب والمسلمين تبعا لمرجعيات متنافسة، ويجعل استقلالية وقرار المواطنين العرب الشيعة بيد طهران.

3-هناك ملفات عالقة بين دول عربية وحزب الله، لا بد من تسويتها، من مثل ملف العمليات الإرهابية في دول عربية التي يتهم عناصر حزب الله بالمسؤولية عنها، مثل ملفات "طائرة الجابرية" والهجمات في الكويت.

4-إذا ما أبدى "حزب الله" موقفا إيجابيا بشأن رفض خطاب التفوق الحضاري الفارسي، وقضايا السيادة، يمكن الطلب منه لعب دور وسيط لإقناع إيران بتقديم تطمينات إزاء ملفات مثل الأهداف الحقيقية للبرنامج النووي الإيراني، وفكرة "تصدير الثورة" خصوصا ما ارتبط منها بقوات الحرس الثوري الإيراني والاستخبارات الإيرانية، أي ما يتضمن منها أبعادا عسكرية واستخباراتية وليس فقط فكرية أو عقائدية. وكذلك وإزاء قضايا مثل احتلال إيران لثلاثة جزر عربية، وقضية حقوق العرب الأحواز في إيران.

5-إنّ فكرة "الولي الفقيه" وفكرة المرجعية الإيرانية الواحدة للشيعة، ( وفي بعض الحالات لكل المسلمين)، خلافية بين الشيعة أنفسهم، فمثلا نشرت صحيفة "الوسط" البحرينية، الأسبوع الماضي تقريرا، حول الجدل بين أبناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية في السعودية وفي البحرين والكويت، بعنوان ("لا عنب "قم" ولا بلح "النجف")، حيث يدعو شق من شيعة هذه المناطق للعودة لما يسمى بمرجعيات محليّة، أي رجال دين شيعة من المنطقة ذاتها وعدم التبعية لمرجعيات العراق أو إيران. وفكرة المرجعية للفقيه، فكرة مرفوضة عند العلمانيين العرب، ولا تتفق – نظريّا على الأقل - مع طروحات الكثير من الإسلاميين السنّة الذين يدّعون عدم الإيمان بالدولة الدينية. وبالتالي يمكن أن يكون الحوار بشأن هذه القضية جزءا من حوار عام أشمل حول الدولة الدينية والعلمانية.

والسؤال هل يوجد مفكرون عرب وسياسيون قادرون على مثل هذه المراجعات والحوارات؟. وهل يقبل حزب الله بمثل هذا الحوار؟

http://ajazem.maktoobblog.com