حول دعوة "عبيدات" للتوافق

مقابلة السيد أحمد عبيدات مع "الغد" التي نشرت الأربعاء الماضي، حملت لغة سياسية جديدة؛ ارتفع فيها فوق الخنادق والعصبيات، ودعا الحكومة والمعارضة، بما فيها الحراك الشعبي، إلى "كلمة سواء" لعبور المرحلة.اضافة اعلان
أجاب رئيس جبهة الإصلاح الوطني في المقابلة الذكية عن أسئلة المرحلة واستحقاقات "اللحظة السياسية"، بلغة سياسية نقدية موزونة، تحاكي الآخر وتشتبك معه بحوار راق يبحث معه عن "كلمة سواء".
لم يلجأ "الباشا" إلى لغة "الإثارة" والقصف العشوائي التي تميز أحاديث بعض الزعامات الفردية المحسوبة على المعارضة، بل تحدث بلغة "الزعيم" الوطني المسؤول الذي يبحث عن حلول واقعية للخروج من الأزمة.
دققوا معي في هذه الفقرة المقتبسة حرفيا من كلام "الباشا"، موجها حديثه إلى الحكومة، ولاحظوا معي كم فيها من الحكمة وقوة المنطق إذ يقول: "التقدم باتجاه القوى السياسية والأحزاب والرأي العام، يحتاج إلى اعتماد حلول توافقية، وهي في جميع الحالات حلول مرحلية، لكنها نقطة على الطريق، ويمكن أن ينظر لها في إطار حالة متدرجة، ويمكن أن ترتقي إلى مرحلة أفضل في المستقبل".
ليست الدعوة إلى التوافقية والقبول بمنطق المرحلية والتدرج في الخطوات الإصلاحية فقط، ما ميز حديث "الباشا"، بل مغادرته لغة "الموجبات" والشروط المسبقة للمشاركة في العملية السياسية التي يتحدث بها حلفاؤه في جبهة الإصلاح، وأعني تحديدا الحركة الإسلامية.
فهو يدعو بوضوح إلى إجراء انتخابات نيابية هذا العام. وعند الحديث عن الإصلاحات الدستورية، ينتقد الآلية والسرية والتسرع التي تمت فيها، وينتقد محقا بعض مخرجاتها، لكنه لا يقلل من شأنها ولا يصفها "بالشكلية" كما يفعل حلفاؤه. وهو لا يقطع مع الدعوة إلى إصلاحات دستورية جديدة، لكنه يركز فقط على إيجاد نص دستوري يكفل "تكليف الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة"، ويسقط تماما -في طول المقابلة وعرضها على امتداد صفحتين كاملتين- أي حديث عن "انتخاب مجلس الأعيان"، أحد المطالب الإصلاحية لحلفائه.
القيمة السياسية لحديث عبيدات أنه محسوب على المعارضة، وأنه أحد أبرز رموزها، والحليف الموثوق للإسلاميين؛ العمود الفقري للمعارضة.
المنطق السياسي الإصلاحي والوفاقي الذي يتحدث فيه عبيدات يقوم على أساس الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، والقبول بمبدأ "المساومات" والحلول التوافقية المرحلية التي تحكم العمل السياسي الديمقراطي. هذا المنطق يتعارض مع منطق "الشروط المسبقة" و"الموجبات اللازمة"، ونظرية "كل شيء أو لا شيء" الاعتباطية.
لست أدري لماذا لا تقوم الحكومة، حتى الآن، بفتح حوار جدي مع "جبهة الإصلاح الوطني" كوحدة سياسية واحدة؛ فهي تمثل طيفا واسعا من المعارضة، يمكن أن يستكمل بحوار مع المعارضة الديمقراطية ونشطاء الحراك الشعبي، للوصول إلى أوسع توافق ممكن على الخطوات العملية للإصلاح المرحلي ومضامينها.
وأظن أن جلالة الملك قد سهل المهمة في خطابه الأخير أمام جمعية الشؤون الدولية، وحدد محطات وأهداف الإصلاح، ولا أظنها موضع خلاف؛ الخلاف هو على التفاصيل.
الحوار المطلوب اليوم مع القوى والتيارات السياسية، وهو مكمل للحوار الذي أجرته "لجنة الحوار الوطني"، ويمكن البناء على مخرجاتها.

[email protected]