حول صفقة تبادل الأسرى والأسيرات

تستحق حركة حماس التهنئة، ليس فقط على إتمامها صفقة تبادل الأسرى المقررة هذا اليوم، وإنما كذلك على نجاحها في الاحتفاظ بالعريف الإسرائيلي جلعاد شاليط كل هذه المدة، رغم كثافة التعقب الاستخباري والتجسس الإلكتروني في منطقة صغيرة بالغة الانكشاف، الأمر الذي يمكن تدوينه في سجل هذه الحركة التي فاوضت تحت الحصار الشديد والملاحقة الأمنية، ونجحت في نهاية مطاف طويل بانتزاع الحرية لمئات من الأسرى والأسيرات.اضافة اعلان
وبالقدر ذاته، تستحق حماس أيضاً اللوم والانتقاد على ما شاب هذه الصفقة من أخطاء عديدة وقصور بالغ، أدى إلى خلط نكهة الفوز بطعم الخسارة، وإلى جلب عواقب كان يمكن تلافيها بقدر قليل من التحوط والانتباه، ما أفقد هذه الصفقة الكثير من الوهج الذي كان من المقدر له أن يمد آسري شاليط بما كانوا يعولون عليه من حضور سياسي تهافت بعد ما عُرف باسم استحقاقات أيلول، ومن مكاسب شعبية قد تعوض ما لحق بمكانتهم مؤخراً من إخفاقات.
ولعل مرد خيبة الأمل التي كادت تعادل الفرحة السائدة الآن في الأجواء الفلسطينية، ولاسيما الغصة الكبيرة لدى الحركة الأسيرة، وذوي القادة الرموز، ومائة من أصحاب المؤبدات، مردها ارتفاع سقف التوقعات، وجزالة الآمال والبشائر التي واصلت قيادات حماس بثها طوال عملية المفاوضات، تارة بالقول إن القادة خط أحمر وإنهم على رأس القائمة، وطوراً برفض إبعاد المحررين من حيث المبدأ، وأخيراً التباهي بنجاح الصفقة بنسبة 99 في المائة.
غير أنه قبل أن تدخل عملية إطلاق سراح الأسرى حيز التنفيذ، حلت الصدمة محل البهجة على نطاق واسع، وعلت الأصوات من داخل المعتقلات وخارجها، مثقلة بمشاعر والحس بالغبن، منتقدة مظاهر الفئوية والتمييز، لائمة جهل المفاوض الحمساوي بواقع المعتقلات وأعداد الأسيرات على وجه الخصوص، ورافضة في الوقت ذاته مزاعم المفاوضين بمعرفة قادة الحركة الأسيرة مسبقاً وموافقتهم على مضمون هذه الصفقة سلفاً.
وليس القصد هنا تبهيت هذا المنجز، ولا التقليل من شأن إطلاق هذا العدد الكبير من أسرى الحرية. إلا أنه ينبغي أن يقال ما يجب قوله حول المثالب والعيوب والنواقص التي واكبت هذه الصفقة، التي أتت في اليوم الخامس عشر من إضراب المعتقلين عن الطعام لتصرف الاهتمامات نحو موضع آخر، وتضرب حركة التضامن الشعبي مع معركة الأمعاء الخاوية في مقتل، فضلاً عن المصادقة على مبدأ الإبعاد، الذي كانت حماس قد انتقدته بشدة، وعن حق، حين وقعت سابقة المبعدين من كنيسة المهد العام 2002.
وقد يكون من أشد مظاهر الخلل الذي رافق هذه الصفقة التي جرت من وراء ظهر قادة حماس ورموزها الكبار في المعتقلات، وفق ما اتضح لاحقاً، أن المفاوض الحمساوي لم يكلف نفسه عناء الاتصال بنادي الأسير الفلسطيني، أو وزارة الأسرى، من أجل الحصول على بيانات بعدد الأسيرات، للوفاء بوعد تبييض السجون الإسرائيلية من المناضلات اللواتي سيبقى منهن تسعة سنديانات، وسط ذهول الرأي العام الفلسطيني.
ومن غير أن نعرج على جوانب عديدة تبعث عن الاستياء، لاسيما لدى أسرى المؤبدات، وعمداء المعتقلين، وذوي أكثر من 200 من المبعدين، أو نتطرق إلى مظاهر التمييز التي أدت إلى الإفراج عن 43 أسيراً من بين نحو 2500 أسير فتحاوي، وأعداد رمزية من "الشعبية" و"الديمقراطية" و"الجهاد الإسلامي"، فإن مما يؤسف له حقاً هذا التعالي وهذا الازدراء الذي يبديه قادة حماس إزاء مشاعر المصدومين، بالقول إن على من لا يعجبه الأمر أن يبقى في السجن، وإن من يعترض على هذه الصفقة عليه أن يذهب ويأسر نصف جندي إسرائيلي.
ويزيد الأمر سوءاً أن حماس تود أن تضفي على هذه الصفقة هالة من القداسة، وتطويبها في الذاكرة العامة كمنجز باهر استثنائي عظيم لا سابق له، واصفة كل منتقد على أنه متهجم وصوت نشاز، قائلة إن من لا يعجبه هذا فليشرب البحر، متجاهلة حقيقة أن هذه الصفقة التي لها ما لها وعليها ما عليها، لن تساعد في تحسين أجواء المصالحة، أو في رفع الحصار، ولا حتى في استعادة الشعبية المنشودة، بدليل انتقادها بقسوة من جانب الحركة الإسلامية في الـ48، وهي أكثر القوى تعلقاً وانبهاراً بحماس.