حياة فنان تحت الصفر: نضال البتيري

بدا الفتى النحيل، حين دلف الى رابطة الكتاب لحضور احدى الندوات قبل نحو أكثر من 30 عاما، مسكونا بالحياة والشباب، برغم النظارة التي تغطي عينيه.
كان يضع تحت إبطه “حديث الاربعاء” لطه حسين. بعد الندوة، تبادلنا حديثا قصيرا، كان بطله طه حسين، الذي قال لي انه يحفظ بعضا من نصوصه عن ظهر قلب. اضافة اعلان
والفتى القادم من شرق عمان، بكامل فقره وضعف بصره الشديد، يحمل اسما واضحا: نضال البتيري. التقينا في بعض الاعمال اثناء بطالتنا، اشتغلنا بعض المسرحيات، ثم مضى الفتى في طريقه الى الفن والتمثيل، حالما بعضوية رابطة الفنانين، ثم نقابتهم.
ولانه ابن عائلة فقيرة، لا سند له، سوى رغبته الجامحة في ان يكون فنانا، فقد جد في هذا الجانب، وتمكن من المشاركة باعمال مسرحية للاطفال والكبار، أبدع فيها، وأعتقد بأن مشاركاته الفنية وصلت الى مئات الاعمال.
لم ينل شهرة كبيرة، لكنه في الوسط الفني كان معروفا بانه صاحب أداء مميز، له بصمته الخاصة، فشخصيته الفنية ذات طبيعة مركبة، وكان يمكن الاستفادة منها في اعمال ومسلسلات تحتاج الى شخصيات من هذا النوع، لكن الوسط الفني، تحكمه تفاصيل أخرى في اسناد الادوار، واحترام المواهب، سنتحدث عنها قريبا.
قبل أيام، في الساحة الهاشمية، رأيت نضال البتيري، هذا الشاب الذي كان يبذل قصارى جهده ليظهر انيقا، ويتحدث بهدوء ورزانة، رأيته كما هو، لكن ملابسه هذه المرة رثة، توحي بأن الرجل مقهور، ومصاب بخيبة امل لا تضاهى في العيش، مفصول من النقابة لعجزه عن دفع الأقساط، وقد فقد 80 % من بصره، ولم يعد يشارك بأي اعمال فنية، لما هو عليه من عجز بصري، ولأن أحدا في النقابة لم ينتبه الى حالته، التي تثير الحزن والالم.
كان الرجل يسأل بهدوء عن امكانية ان يجد من يؤمن لأبنائه دراستهم، قال “حتى قرطاسيتهم لا استطيع تأمينها لهم، واحيانا لا أجد طعاما لهم”.
اعرف في الاوساط المهنية كثيرين تعرضوا لانتكاسات، ولم يجدوا من يقف الى جانبهم، ما يشير الى فقداننا لقيم التعاضد، التي كانت سائدة في مجتمعاتنا. كانت نقابات العمال او شيوخ الكار، لا يغفلون عن احوال العاملين في مهنهم، واليوم، ونحن نرى فنانا أو فنانين مهملين، معوزين، ولا احد ينظر اليهم بأي طرف، نتساءل ما هو دور النقابات التي وضعت لخدمة اعضائها، وكيف يمكنها ان تقبل على نفسها أن ترى نضال البتيري وسواه ممن هم في حالته ذاتها، ان يحتاجوا حتى اقلام ابنائهم للمدرسة؟
كيف يمكن للفن ان يتحدث عن القيم وينشرها، ولا يستطيع ان يقي رجلا كان يعمل في الفن، العوز والحاجة.. كيف؟