حيث التعددية تقتل..!

علاء الدين أبو زينة أي شيء أجمل من التنوع وتعدد الألوان؟ وأي تنوع أجمل من الفلسطيني؟ ثمة السهل والجبل، والساحل والصحراء. ثمة البدو، والمدنيون، والفلاحون. وثمة المسلمون، والمسيحيون، واليهود، والدروز، والبهائيون وآخرون. ثمة بستان الأزياء، ومهرجان اللهجات، وكنوز المحكيات، والمأثورات، والمآثر. ثمة مزارات الأنبياء والأولياء، وبعض من أقدم المدن وأقدس الأماكن في العالم. والكثير. في دولة حرة مزدهرة، ستكون هذه التنويعات على الثيمة الفلسطينية لوحة فريدة رسمتها ريشة التاريخ. لكنّ فلسطين، بكل تنويعاتها، مستهدفة الآن بالإلغاء. فيها مُستعمرون يحاولون تأكيد أي فروقات واستغلالها للمزيد من شرذمة الفلسطينيين لتسهيل الحلول محلهم. وتعرف التنويعات الفلسطينة كم هي مهددة جميعاً كعناصر للهوية المستهدفة الواحدة، وتتشبث بها في انتظار يوم تتجلى فيه حرة بكامل زهوها. لكن ثمة تنوع، أو تعدُّد، فلسطيني قاتل، ومفارق لأي معنى إيجابي تنطوي عليه التعددية. أسماؤه: «الفصائلية»، و»الجهوية»، و»الفئوية». وتعبيراته: المنظمات والفصائل الكثيرة –وأعلامها وشعاراتها التمييزية التي تُرفع في التظاهرات. وعمله: ضرب الصف وتشويه الكلمة، وكشف الجميع أمام العدو، وتضارب التكتيكات وعراك الاستراتيجيات، وسقوط فلسطينيين صرعى –حرفياً- بيد الأخوة وأبناء العمومة، أو بالوشاية عليهم للعدو، وتهديم الطريق إلى الحرية وإطالة أمد الموت والمعاناة. في حديث للمناضل المطران عطا الله حنا، يتحدث بزهو عن أن العلم الوحيد الذي رُفع في جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة كان علم فلسطين، في مظهر للوحدة الفلسطينية الغائبة المبتغاة. هذا هو الأصل الذي أصبحت تجلياته النادرة مبعث فخر. سوفَ تُفهم الرايات الفرعية فقط لكتائب جيش واحد وألويته، كعادة الجيوش. أما الرايات الفصائلية الفلسطينية..؟ أكثر من ستين فصيلاً ظهرت كلها لتعمل من أجل تحرير فلسطين. هل هناك حقاً هذا العدد من الاختلافات والاجتهادات في قضية مثل القضية الفلسطينية؟ أكثر من عقد ونصف انقضت الآن من محاولة الإصلاح بين «فتح» و»حماس»، ولا شيء. ثمة سلطتان، وطريقتان، وجمهوران، وقلوب مقطوعة نصفين. أي نعمة للاستعمار! شعب يتآمر على نفسه! ألا تستحون فتطووا راياتكم الفصائلية المفرّقة التي تظلل جيوشاً وأحزاباً متناحرة؟ حشِّدوا شعبكم الذي تدمرون فرصته حول علمه الوطني. لا شيء أسوأ لقضية بهذا الوضوح أكثر من كثرة المكاتب -والقادة، وحرب أيديولوجيات ليست ذات صلة لشعب بلا دولة ولا وطن. في الطبيعة، لا يجمع الكائنات أكثر من الخطر الجمعي المحدِق المهدِّد للبقاء. ماذا يريد الفلسطينيون ليجمعهم أكثر من هذا الخطر؟ كيف يبتكرون أسباباً للتحرك فرادى ليكونوا فرائس وحيدة لبنادق العدو –ربما بتواطؤ وشماتة آخرين؟ ‏يكتب الباحث سانسوم ميلتون من معهد الدوحة:‏ «يؤكد واقع تراجع الدعم للقضية الفلسطينية الحاجة الملحة إلى إحراز تقدم نحو ‏‏الوحدة الفلسطينية‏‏. وقد يُنظر إلى العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على أنها محاولة لتقويض ‏‏الخطوات نحو الوحدة الفلسطينية‏‏ التي اتخذت خلال حرب 2021 من خلال الربط المتجدد للقضايا عبر الانقسامات الجغرافية والسياسية، من الضفة الغربية المحتلة، إلى أراضي العام 1948، إلى غزة».‏ هذه نصيحة باحث أجنبي محايد من بين كثر آخرين يرون الوحدة الفلسطينية شرطاً وجودياً وسبيلاً وحيداً لإحراز تقدم. العدو يطبق بإخلاص قاعدة دم اليهودي على اليهودي حرام. سوف يصف واحدهم «إسرائيل» بأنها كيان وحشي واستعماري-استيطاني غاصب، ونظام فصل عنصري وقاتل، ثم يعود إلى المطار فلا يعتقلونه أو ينفونه. ربما يصفونه بأنه يهودي كاره لذاته، لكننا نادراً ما نسمع عن تصفية جسدية أو صراعات داخلية مسلحة. وكلهم تقريبا، يمينيون ويساريون ووسط، يخدمون تحت علم الاحتلال الواحد. تلزم التعددية في الحالة الفلسطينية بمعنى تنوع المهام الفرعية المنسقة ضمن المهمة الرئيسية. وتلزم في تقديم الاقتراحات للنقاش الوطني، قبل حسم الخيار الأفضل بالطريقة الديمقراطية والتزام الكل به. لا مكان لتعددية تختلف على تعريف الأساسيات: ما فلسطين، وأي حقوق للفلسطينيين كشعب مستعمر ومشرد. بالحكم من التجلي والنتيجة، ليست جميلة على الإطلاق رايات الفصائل الملونة في التظاهرات الفلسطينية، وكأن العلم الفلسطيني فقير بالألوان والجماليات والمعنى؟ ليس إيماناً ولا إخلاصاً أن يقسم الفلسطيني «المناضل» يمين ولاء لشيء أو أحد غير فلسطين. الفصيل واحد: حركة تحرر وطني فلسطينية واحدة، بقيادة وطنية واحدة، أعضاؤها الشعب الفلسطيني كله. والوجهة: واحدة ستشير إليها كل بوصلة سليمة ناجية من العبث: كل فلسطين، كل فلسطين. المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان