حينما التقى رابين مع بلفور

فلسطينيون يقطعون حاجز قلنديا بين رام الله والقدس المحتلتين لحضور صلاة الجمعة .-( ا ف ب )
فلسطينيون يقطعون حاجز قلنديا بين رام الله والقدس المحتلتين لحضور صلاة الجمعة .-( ا ف ب )

هآرتس

ايلي فوده  8/11/2017

يتسحاق رابين لم يلتق في أي يوم اللورد بلفور، ولكن في هذه السنة بعد موتهما، التقيا في فترة قصيرة، بين يوم الذكرى الـ 22 لقتل رابين الذي احتفل فيه في هذه السنة في 1 تشرين الثاني، وبين الذكرى المئوية لتصريح بلفور الذي تم الاحتفال به في 2 تشرين الثاني. يبدو أنه لا توجد صلة بين الحدثين: الحدث الأول يخلد قتل رئيس حكومة إسرائيل، والثاني يخلد الاعتراف الذي منحته بريطانيا للطلب الصهيوني بالسيادة، على الاقل في جزء من أرض إسرائيل. الأول هو يوم ذكرى، والثاني هو يوم عيد، لكن نظرة أكثر عمقا تظهر أن هناك الكثير مما هو مشترك بين الحدثين. اضافة اعلان
"يوم الذكرى لرئيس الحكومة يتسحاق رابين"، بموجب نص قانون إحياء ذكراه، هو أمر مختلف عليه في اوساط الجمهور اليهودي، هذا الخلاف يعود للأسباب التي أدت إلى قتل رابين. منذ تم تقرير تخليد ذكراه فإن هذا التخليد ينسب لمعسكر اليسار. صحيح، أن بنيامين نتنياهو من خلال منصبه كرئيس للحكومة شارك في المراسيم الرسمية في الكنيست وفي جبل هيرتسل، لكن أوساط اليمين لم تشارك في أي يوم في التجمع التقليدي السنوي، الذي أقيم في الميدان الذي سمي على اسم رابين. اليمين لم يستبعد من الاحتفال، هو الذي اختار بوعي الغياب عنه. هذه التجمعات نظمت بشكل عام من قبل الاحزاب والجمعيات التي تقع على يسار الوسط السياسي.
في هذه السنة نظم الاحتفال حركة "قادة من اجل أمن إسرائيل" وحركة "طريقنا". إن تنظيم الاحتفال تحت شعار "نحن شعب واحد"، ومحاولة تجنيد متحدثين من اليمين لا يمكنه اخفاء حقيقة ان مواقف هاتين الحركتين، مغروسة على يسار الوسط. إعلان رئيس المعسكر الصهيوني آفي غباي، بأنه منذ السنة المقبلة سيكون حزبه هو المسؤول عن تنظيم الاحتفال، يشير إلى أن الاحتفال ما زال حتى الآن محسوبا على طرف واحد. إحياء ذكرى وعد بلفور كان له تاريخ مشابه.
كثيرون لا يذكرون أن الحماسة الكبيرة التي تملكت المجتمع اليهودي بعد الإعلان عن التصريح، أخلت مكانها للشك والتخوف من أن بريطانيا لن تقوم بتنفيذه. أيضا التصريح نفسه كان مثارا للخلاف في زمن الانتداب: اليمين المتشدد رأى في بريطانيا دولة عظمى امبريالية يجب محاربتها، ورأوا في حاييم فايتسمان نوع من "وزلنغ" (عميل) يهودي، الذي كان مستعدا للاكتفاء بانجازات جزئية والتنازل عن النضال العسكري بروح خطابات زئيف جابوتنسكي. حقيقة أن بريطانيا "اقتطعت شرقي نهر الأردن من حدود أرض إسرائيل التاريخية"، كانت سببا لاستمرار النضال ضدها.
عدد من الجمهور المتدين القومي أيضا، وبيقين الحريديم، لم ير في التصريح وثيقة حسم للمصير، لأنه في نظرهم فإن حق اليهود في ارض إسرائيل مسجل في التوراة. العداء الشخصي بين بن غوريون وفايتسمان ساهم في تقليل أهمية التصريح في اوساط احزاب العمال.
بعد العام 1948 اختفى يوم تصريح بلفور من التقويم السنوي. وفقط اليوبيل في 1967 أعاده إلى الحياة. النقاش الاحتفالي الذي أجري في الكنيست على شرف هذا الحدث كشف أن تصريح بلفور لا يحظى بالإجماع. منذ العام 1967 وحتى الآن، يوم بلفور تقريبا لم يتم الاحتفال به. كان ذلك أمرا رمزيا فقط، أنه في السنة السبعين قال شلومو هيلل، رئيس الكنيست، إنه قرر إحياء ذكرى هذا الحدث، من اجل عدم القول "إن العرب فقط يقومون بإحياء هذه الذكرى".
منذ العام 1917 ذكر العرب تاريخ تصريح بلفور كيوم حزين، وقاموا بإحيائه بالمظاهرات والاضرابات. هكذا في الوقت الذي نسي فيه المنتصرون وعد بلفور، فإن من رأوا أنفسهم ضحايا، استمروا في احيائه والبكاء عليه. أيضا يوم الذكرى المئوية قاموا بإحيائه في السلطة الفلسطينية بصورة بارزة. من جهتهم، تصريح بلفور يرمز إلى بداية النكبة. لقد رأوا في الاحتفالات الإسرائيلية فرصة للحصول على الاعتراف الدولي بمطالبهم لاقامة الدولة وحل مشكلة اللاجئين.
النقطة الهامة في موضوعنا هي أن من يقود الاحتفالات في الذكرى المئوية لوعد بلفور في إسرائيل هي حكومة اليمين. روح الاسناد التي اعطتها الحكومة للجان التي نظمت الاحتفالات في البلاد وبريطانيا اوجدت صدى إعلاميا مؤثرا، تضمن زيارة نتنياهو في بريطانيا والتقائه مع رئيسة الحكومة هناك، احتفالات رسمية في البلاد، معارض، لقاءات أكاديمية ومقالات كثيرة في وسائل الإعلام.
وقد تبين أن شخصية فايتسمان حظيت باعادة الاعتبار عن طريق ابراز دوره في قرار نشر التصريح. بكلمات اخرى، "تأمين تصريح بلفور من قبل اليمين، منحه مكانة أكثر اجماعا في المجتمع اليهودي. وهو يظهر أيضا الاهمية المتملصة للذاكرة الجماعية، التي ترتبط اساسا بالظروف الحالية. يمكن الافتراض أن عامل الزمن فعل فعله، العالمة الاجتماعية البروفيسورة فيرد فنتسكي سروسي، أشارت إلى أن الأميركيين احتاجوا إلى 60 سنة حتى يقرروا أن لنكولن هو أحد الآباء المؤسسين للأمة.
الاستنتاج هو أنه طالما أن اليمين لا يقود، أو على الاقل يشارك بصورة بارزة، في احتفالات ذكرى رابين، فإن هذا اليوم سيستمر في أن يكون يوما مختلفا فيه. ولكن اليمين لا يمكنه المشاركة في التخليد إذا استمر هذا اليوم في كونه يوما مختلفا فيه. هذه الحلقة المفرغة سيتم حلها فقط اذا اعترف اليمين بأنه يتحمل مسؤولية معينة عن الكارثة، وطالما أنه لم يعترف بذلك، فإنه لا يستطيع حقا التسليم به.
هل من الضروري الانتظار حتى يوم الذكرى المئوية؟