حُط بالخرج

اعتاد المواطن سماع الوعود من الحكومات الجديدة، واعتاد ان يبني الآمال عليها، واعتاد أيضا أن يقبض الريح في معظم الأحيان، حتى بات في حالة يأس من الوعود وفي حالة شبه مطلقة من عدم الوثوق بالكلام المعسول، وبات المثل الشعبي شائعا في أعقاب كل الوعود البراقة "حط بالخرج".اضافة اعلان
حكومة الرئيس عون الخصاونة، وهو شخص معروف بنصاعة سجله الشخصي وموقعه في القضاء الدولي، نالت ثقة النواب بأغلبية ساحقة، ولكن ثقة الشعب أهم بكثير من ثقة النواب، حتى إن كانوا منتخبين من الشعب، فالوجع الذي يعاني منه العامة، لا يشكو منه النواب، فهم يسمعون به ولكنهم لا يتألمون منه كما يتألم عامة الشعب، وحتى تنال الحكومة الجديدة ثقة الشعب، فإن ثوابت مفصلية في حياته تجب معالجتها وبشكل فوري لأنها لا تحتمل التأجيل أو التسويف، وهي ثوابت قديمة ومتجددة لم تقترب منها الحكومات السابقة رغم إعلاناتها المتكررة عن عزمها على علاجها.
وفي رده على النواب، وضع رئيس الحكومة يده على أهم الثوابت المفصلية المؤلمة في حياة الناس، عندما قال "إصرارنا على مكافحة الفساد لا يماثله إلا التزامنا باستعادة الولاية العامة للدولة". إنه الوجع الأكبر الذي يعاني منه المواطن. والفساد، رغم بشاعته وانعكاساته القاتلة على سمعة الوطن واقتصاده، يظل أقل ايلاما للناس من ضياع هيبة الدولة وفقدان المواطن لشعوره بالأمن والامان. وأوثق حديث سمعته في مجلس عام من أحد المواطنين الذي سرقت سيارته، ولم يستطع استعادتها إلا بعد أن دفع مبلغا من المال. وهي حادثة من جملة حوادث يتداولها الناس ببساطة، وقصة المحتالين الذين سلبوا أموال عدد من المواطنين كبار السن ونشرت تفاصيلها "الغد" في وقت سابق، ولم يتعرض المحتالون لأي إجراء أو عقوبة، وسلموا بغنائمهم، هكذا وبكل بساطة.
إن الدولة إذا لم تقم باستعادة ولايتها وهيبتها بفرض القانون، ستدق جرس إنذار خطيرا جدا؛ فالمواطن الذي اضطر لاستعادة سيارته  قد يضطر مرة أخرى للدفاع عن أمواله بالطريقة التي يراها مناسبة له. ومن لم تأخذ الدولة له حقه من المحتالين، قد يلجأ هو أو بعض أقاربه لاسترداد حقوقهم بالقوة. وهم بهذا يأخذون دور الدولة  ويضعون المجتمع في حالة من الفوضى.
إن الدولة ليست عاجزة عن استعادة هيبتها وإعادة فرض القانون، ويجب أن لا تكون مثل الأم الرؤوم التي تفسد أطفالها بالدلال أو غض الطرف عن الأخطاء خوفا منهم لا خوفا عليهم. وأن تتعامل بحزم لا يخضع لأي اعتبارات مع كل الحوادث التي تعتبر خروجا على القانون وسطوة على هيبتها، ولكي يعود المواطن آمنا على حياته، أمواله وممتلكاته. إن المواطن الذي يعيش في أجواء القلق والخوف، لا يقدم شيئا للوطن سوى مخرجات الخوف. وهذه مقدمة لخراب شامل في المجتمع.
لقد نالت حكومة عون الخصاونة ثقة النواب، ولكن عليها أن تنال ثقة الشعب، وهي الأغلى، ولن يتم هذا الا بممارسات فعلية على أرض الواقع، يلمس نتائجها المواطنون  بأسرع وقت حتى لا تذهب الوعود كقبض الريح.

[email protected]