خارج السرب

هل تتحالف إسرائيل مع إيران قريباً؟ لا أهدف من هذا السؤال المشاركة في مهرجان شيطنة الشيعة ولا حتى إيران ودورها في المنطقة، بل إنه محاولة لزيارة العقل السياسي "الإسرائيلي" كطريق لفهم ما يجري في المنطقة ومدى تأثيره على الأردن.اضافة اعلان
تنظر إسرائيل بعين الرضا والارتياح لانهيار العرب انهياراً لم تحلم به في أكثر أحلامها تفاؤلاً، وبنفس الوقت فإن الواقع العربي يشير باستبدال الدول المحيطة بإسرائيل بتنظيمات ومنظمات أقل من دول في المرتبة، ولكنها أكثر فاعلية وقدرة على التأثير في القرار السياسي والعسكري، وحزب الله أهم مثال على ذلك، فإن قارنت إسرائيل بين أمنها في عهد بين نظام الأسد الأب والابن وبين أمنها مع "حزب الله" ستجد أنها أكثر أمناً وسعادة مع نظام الأسد مما هي الآن مع حزب الله.
فإذا ما أخذنا حقيقة أن المكون الشيعي هو سيد الموقف في العراق شعبياً وسياسياً، كما أنه سيد الموقف في سورية ولبنان سياسياً على الأقل، وإذا اتفقنا على أن الحليف الشعبي لهذا المكون الشيعي هو إيران وذلك إما لأسباب دينية "مرجعية" أو لأسباب عرقية تعود إلى أن هذا المكون الشيعي في تلك الدول يعود لأصول إيرانية، كما الحال في البحرين والعراق ولبنان واليمن. ولهذا فإن أنظمة العراق وسورية ولبنان "الشيعيّة" تحظى اليوم بزخم شعبي وازن، خصوصا في ظل تهجير الأغلبية السورية السنية وانهيار تأثير القوى السنية اللبنانية الواضح، كما أنها تحظى بمساندة شعبية من أغلبية مسيحيي الهلال الخصيب الذين هوجموا وهجروا من قبل تنظيم يدّعي أنه سني وهو تنظيم داعش.
لن تتخلى إسرائيل عن حلم علاقات حميمة اقتصادية وسياسية مع دول الخليج، ومع علمها بحالة العداء بين دول الخليج وإيران فإن لإسرائيل فرصة تاريخية أن تقدم أي تحالف مع إيران باعتباره ضمانة لمنع إيران من التعدي على دول الخليج وبهذا تلعب أميركا وإسرائيل دور الحامي لوجود دول الخليج ضمن ترتيب أميركي إسرائيلي يقدم نفسه باعتباره عازلا سياسيا وعسكريا بين إيران ودول الخليج.
صحيح أن حالة العداء الإيراني مع إسرائيل حالة قديمة، وهو عداء وجودي حيث ينادي الخطاب الإيراني التقليدي بزوال إسرائيل، ولكن يلاحظ في الآونة الأخيرة أن هذا الخطاب بدأ يتحول نحو المناداة بضمان حقوق الشعب الفلسطيني وهو ما قد يشير إلى استعداد جديد للخروج من العداء الوجودي لإسرائيل إلى اتفاق "للوجود المشترك" بين إيران وإسرائيل وذلك بعد إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي باتفاقية ما، خصوصا إذا وظفت بعض قيادات الفلسطينيين مرة أخرى كوكلاء للتنازل عن حقوقهم فيما يسمى بمؤتمرات السلام، ولا يغيب عن الذهن أن حالة الضعف الفلسطيني والعالم العربي بشكل عام ستضمن لإسرائيل فرض شروطها في أي اتفاقية مقبلة لحل القضية الفلسطينية.
تركيا السنية لها علاقات تجارية ودبلوماسية قوية مع إسرائيل، وهي أقرب لإيران منها لمعظم الدول السنية، كم أن رأس مال تركيا السياسي معروف، ويتمثل بالحفاظ على أمير المؤمنين في السلطة ومنع قيام دولة أكراد على حدود تركيا، وهو أمر لا تعارضه لا إيران ولا إسرائيل من ناحية المبدأ!
أمام هذه الوقائع، ليس من المستبعد أن ينحو العقل الاستراتيجي الإسرائيلي نحو إيران لإعادة رسم المنطقة سياسياً، فقد جربت أميركا وإسرائيل أن تحل القضية بالتعاون مع الأصدقاء السنة، ولكن لم تفلح، فهل تحلها مع الأعداء الشيعة. إن صح هذا التنبؤ الذي هو فعلاً خارج السرب، فإن التصعيد الإعلامي للحرب القادمة لن يكون إلا تسخيناً للمفاوضات وإعادة ترتيب المنطقة برعاية أميركية إسرائيلية إيرانية تركية، لنتذكر أن قورش الفارسي هو من أعاد اليهود إلى فلسطين وأعانهم على إعادة بناء دولتهم بتاريخ ما قبل الميلاد، فهل يفعلها آية الله الفارسي أيضاً؟!