خارج مدينة القدس.. داخل إسرائيل

إسرائيل هيوم

نداف شرغاي

4/8/2017

ذات مرة قال أحد المهندسين "الله موجود في التفاصيل الصغيرة". وهذا القول يناسب القوانين أو اقتراحات القوانين. ويتبين أنه صحيح عند الحديث عن اقتراح قانون ضد تقسيم القدس. بينيت بادر إلى هذا الاقتراح والكنيست صادقت عليه في الاسبوع الماضي بالقراءة الاولى.اضافة اعلان
الجانب المعلن من الاقتراح يقول إنه منذ الآن لا يمكن نقل اراض في القدس لسيادة اجنبية بدون اغلبية 80 عضو كنيست. أما الجانب الخفي الذي لا يقل دراماتيكية، فموجود في مبادرة وزير شؤون القدس زئيف الكين وبموافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزير نفتالي بينيت حيث تم ادخال بند يسمح في المستقبل باقتطاع أحياء عربية في القدس شريطة أن تكون تحت سيادة دولة إسرائيل.
البند الخفي في اقتراح القانون مغلق نوعا ما. وهو لا يتطرق للتفاصيل، لكن من خلفه، كما يتبين من محادثة مع الوزير الكين، توجد خطة قام بمناقشتها مجلس الامن القومي مدة سنتين: اقتطاع الاحياء العربية في شمال القدس وهي كفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين، التي يعيش فيها حوالي 140 ألف شخص، واقامة مجلس أو مجلسين محليين لها.
خلافا لخطة تقسيم القدس للوزير السابق حاييم رامون، الحديث هنا لا يدور عن نقل هذه الاحياء للسلطة الفلسطينية أو سحب هويات الاقامة من السكان، بل العكس تماما، هذه الاحياء ستبقى تحت سيادة إسرائيل والسكان فيها سيستمرون في حيازة بطاقات الهوية الزرقاء، لكنهم لن يكونوا جزءا من القدس.
وقال الكين إن الحديث هو عبارة عن قنبلة ديمغرافية موقوتة تهدد الاغلبية اليهودية في القدس التي تتقلص طوال الوقت. وكشف عن أنهم سكان مناطق السلطة الفلسطينية الذين قاموا بالتسلل إلى هناك دون تدخل أحد. هذه مناطق متروكة ليس فيها سلطة حقيقية، سواء لإسرائيل أو السلطة الفلسطينية. في هذه الاحياء المحبوسة بين الجدار وبين حدود بلدية القدس يوجد ارهاب وخروج على القانون وفقر ومخدرات واهمال يمتد لسنوات من قبل دولة إسرائيل. الدعاوى الكثيرة التي تم تقديمها لمحكمة العدل العليا حول عدم تخصيص الميزانيات لهذه الاحياء محقة تماما".
مجال عملي الثاني هو البحث في شؤون القدس. وقد أصدرت كتابي "القدس – وهم التقسيم" قبل عامين. توسعت هناك كثيرا في التحدث عن الاضرار التي قد تنتج عن تقسيم القدس، لكنني قمت بوضع بعض الافكار: ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله. وأحد الافكار هي التي يسعى الكين إلى تحقيقها. وتحدثت في عدد من الصفحات لماذا تعتبر هذه الخطة جيدة، سواء لإسرائيل أو للسكان الفلسطينيين.
في السنتين الاخيرتين تم تبني هذه الخطة من قبل الكين واعضاء الكنيست يوآف كيش وعنات باركو والوزير السابق جدعون ساعر. وفي هذه الاثناء يهتم بها مجلس الامن القومي. في العام الماضي عملت سراً لجنة اخرى قامت باعداد خطة باسم "درع القدس"، سيتم الكشف عنها مستقبلا.
أحد البنود الاساسية يتحدث عن فكرة اخراج الاحياء العربية في شمال القدس، بالضبط حسب روحية الكين. والطاقم الذي أقامه وركزه حاييم سلبرستاين من حركة "اذا نسيتك يا قدس" يوجد فيه اعضاء مثل الجنرال غرشون هكوهين والمستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية ألان بيكر وأنا وموني بن آري من كفار ادوميم والمهندس يورام غنزبورغ ويورام اتنغر الذي كان من موظفي السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة.
كل شيء مخترق
في أعقاب الموجة الإرهابية والانتفاضة الثانية تمت اقامة جدار الفصل على الطريق الالتفافي للقدس. وأخرج الجدار فعليا عدد من الاحياء العربية خارج حدود بلدية القدس، ومن ضمنها كفر عقب في شمال القدس ومخيم شعفاط للاجئين. في هاتين المنطقتين يعيش 90 ألف شخص. ولكن حسب التقديرات الاخيرة يعيش في هذه المناطق فعليا 140 ألف شخص.
لقد بقيت هذه المناطق رسميا جزء من مدينة القدس تحت سيادة إسرائيل، وسكانها يحملون بطاقات الهوية الزرقاء مثل باقي سكان القدس. وبشكل فعلي كفت هذه المناطق عن كونها جزء من النسيج البلدي للقدس. وأصبحت مركزا للبناء غير القانوني والمخدرات والجريمة والفقر.
ما زالت السلطات الإسرائيلية تجد صعوبة في تقديم الخدمات لهذه الاحياء التي تعاني الاهمال الشديد. وقد عمق الجدار الاهمال وعداء السكان لنا.
"في العامين الأخيرين"، قال الكين، "التقيت مع عشرات الاشخاص، ومن ضمنهم مسؤولين في الشباك، وتحدثنا عن مستقبل هذه الاحياء. ورويدا رويدا أدركت أنه، خلافا للحوار التقليدي عن الحكم هناك أو عن طرق مواجهة الدعاوى المحقة لمحكمة العدل العليا ضد الاهمال هناك، فان المشكلة الاساسية هي التواصل الجغرافي بين هذه الاحياء وبين مناطق السلطة الفلسطينية. من ناحيتنا يوجد جدار، ومن الناحية الاخرى كل شيء مخترق".
يعتقد الكين أن نصف أو ثلث السكان الذين يعيشون في مخيم شعفاط وكفر عقب جاءوا من مناطق السلطة الفلسطينية. وهذا يحدث، كما قال بسبب "الانتقال الحر، ولأنه لا توجد أي سلطة في تلك المناطق التي اصبحت مكان للزواج المختلط بين سكان مناطق السلطة الفلسطينية وسكان القدس، وفي هذه الحالة الاولاد يحصلون على الاقامة منا في المستقبل.
"اسعار الشقق هناك منخفضة ليس فقط قياسا بشرقي القدس، بل ايضا مقارنة مع الاسعار في رام الله. ورغم وجود الكثير من المخالفات الجنائية هناك والمباني المرتفعة وغير القانونية وغير الآمنة، فقد اصبحت هذه الاماكن مثابة بديل بالنسبة للسكان الفلسطينيين. التكاثر الطبيعي هناك هو من النسب الأعلى في أحياء شرقي القدس. وحسب رأيي هذه قنبلة موقوتة ونوع من العبثية. كلما قمنا بتحسين مستوى الحياة في هذه الاحياء كلما زاد انتقال السكان إلى هناك.
"الطريقة الوحيدة من أجل تحييد القنبلة الديمغرافية الموقوتة التي تهدد الاغلبية اليهودية في القدس، والطريقة الوحيدة لتحسين ظروف حياة السكان الصعبة هناك، هي اقامة مجالس محلية منفصلة واخراجهم من حدود بلدية القدس مع الابقاء عليهم تحت سيادة إسرائيل. لا يجب عليهم الخوف من ذلك لأن هوية الاقامة ستبقى معهم وهم سيستمرون في الحصول على الحقوق التي تمنحها هذه الهوية وهي مخصصات التأمين الوطني والتأمين الصحي وظروف التشغيل الجيدة وما أشبه".
التصويت للبلدية
يعتقد الكين أنه في اطار المجلس المحلي الجديد ستزداد الميزانيات المخصصة لهذه الاحياء: "حتى لو كان الحديث يدور عن الميزانيات التي تساوي ميزانيات المجالس المحلية في إسرائيل، فان هذا أكثر مما يحصلون عليه الآن".
ويدرك الكين ايضا امكانية تهديد السكان وتخويفهم: "السلطة الفلسطينية قد تعارض ذلك لأنه يهددها مثلما يهدد اليسار الايديولوجي لدينا. الطرفان يريدان تقسيم القدس لكنهما لا يفكران في مصلحة السكان".
لقد أدركت صحيفة "هآرتس" بتأخر الهدف من الخطة وبدأت في حملة ضدها. وقال الكين "في المرحلة الأولى اذا لم يرغبوا في انتخاب مجلس خاص بهم، يمكننا اقامة مجلس، وبالتدريج نقوم بنقل الصلاحيات له. وفي نهاية المطاف سيصلون إلى مكانة بلدية رسمية تشبه مكانة أبو غوش أو مبسيرت تسيون.
"إسرائيل ايضا ستكسب من هذه الخطوة. سنخفف عن أنفسنا من ناحية ديمغرافية. نسبة اليهودي في المدينة ستزداد من 60 إلى 70 في المئة. سنحافظ على سيادة إسرائيل هناك. وسنحافظ على قدرة تدخلنا الامني والاستخباري في هذه الاحياء.
"نحن لن نسلم مخيم شعفاط للسلطة الفلسطينية حتى لا يطلقوا النار من هناك على بسغات زئيف ونفيه يعقوب مثلما قاموا باطلاق النار من بيت جالا وبيت لحم على غيلو. ولن نسلم كفر عقب للسلطة الفلسطينية كي لا تهدد مستقبلا الطريق إلى عطروت أو الحي الكبير الذي توجد فيه 10 آلاف وحدة سكنية التي نخطط لبنائها هناك".
هل رئيس الحكومة يوافق على هذه الخطة؟
"إنه يوافق على الحفاظ على إمكانية تنفيذها. نحن نعنى بأن لا يمنع قانون تقسيم القدس هذه الامكانية مستقبلا. ويبدو لي أنه يؤيد الفكرة، لكنني لست مخولا ولا أريد التحدث باسمه. في الوقت الحالي لا يوجد أي قرار".
إذا قمتم بتنفيذ هذه الخطة، فهل الحديث يدور عن اجراء إسرائيلي داخلي أو جزء من اجراء دولي؟.
"هذا شأن إسرائيلي داخلي. والويل لنا إذا قمنا بتحويل ذلك إلى موضوع سياسي بين الدول. هذا يناقض مصالح إسرائيل. ولا حاجة ايضا إلى سن قانون في الكنيست. توجد اجراءات داخلية في وزارة الداخلية حول تغيير حدود البلدية. وهذا ما سيكون. هذه حاجة قومية إسرائيلية من اجل الدفاع عن الاغلبية اليهودية في القدس، وايضا مصلحة للسكان المقدسيين الذين يعيشون هناك في اطار سيادة إسرائيل".
عندما تم بناء الجدار في شمال القدس، انتقل عشرات آلاف الفلسطينيين إلى العيش في الجانب الإسرائيلي. ألا تخشى من أن فصلهم عن القدس سيحدث نتيجة مشابهة؟.
"في هذه المرة سيكون الامر أقل تهديدا لهم. أنا سأترك لهم بطاقات الهوية التي خافوا في حينه من فقدانها. هم لن يخسروا أي شيء بل سيكسبون. وسأقيم من اجلهم جهازا لتحسين ظروف حياتهم هناك".
من ناحية الوعي سيجدون أنفسهم فجأة غير مقدسيين وسيتم منعهم من العيش في أي مكان في غربي القدس أو في إسرائيل. كيف ستمنع ذلك؟"هنا أصل إلى جزء آخر في الخطة. أنا أقترح تطبيق قرار حكومة نتنياهو من العام 1998، الذي لم يتم تنفيذه حتى الآن، وهو اقامة بلدية عليا في القدس تشمل في داخلها جميع المناطق المحيطة بها، الامر الذي سيبقيهم مقدسيين من الناحية الشعورية على الأقل. ويمكنهم التصويت للبلدية العليا اذا أرادوا ذلك".
الولايات المتحدة أفشلت في العام 1998 قرار الحكومة اقامة بلدية عليا لسكان المناطق المحيطة بالقدس.
"أنا أذكر ذلك، لكننا طلبنا في حينه أن تشمل البلدية العليا الاحياء اليهودية فقط. وأنا الآن أطلب أن تشمل 140 ألف شخص عربي، وهذا شيء مختلف تماما وأكثر مساواة.
"اعتقد أنه يمكن اقناع إصدقائنا في العالم، لا سيما أن أحد الاهداث المعلنة هو اعمار هذه الاحياء المهملة. وكلما ترددنا في تنفيذ هذه الخطة كلما زادت امكانية انتقال السكان من هناك إلى داخل الجدار – يجب تنفيذ هذه الخطة بأسرع وقت ممكن".
من أين سيأتي المال للمجالس المحلية الجديدة، فالفجوة بين شرقي المدينة وغربها من حيث البنى التحتية والخدمات كبيرة جدا؟
"الإهمال المتواصل يضر بنا من جميع النواحي. ثلث سكان شرقي القدس كانوا يستخدمون الحفر الامتصاصية حتى فترة قصيرة. وقد خصصنا ميزانيات كبيرة من اجل البنى التحتية والخدمات في شرقي القدس. وفي مجال التعليم اخطأنا عندما سمحنا للمدارس في شرقي القدس بالتدريس حسب المنهاج الفلسطيني".
لا للصدام مع ترامب
طلبت من الكين التطرق ايضا للبناء من اجل اليهود في القدس، الذي تم تجميده من قبل نتنياهو بضغط من الرئيس اوباما. وقال الكين إنه باستثناء خطتين للبناء في جفعات همتوس في جنوب القدس وإي 1 بين معاليه ادوميم والقدس "تم رفع جميع القيود السياسية، وكل شيء أصبح قابلا للتنفيذ. منطقة إي 1 وجفعات همتوس توجد في خطط استراتيجية مرتبطة حسب اوروبا والولايات المتحدة بصيغة الدولة الفلسطينية".
لماذا أنتم غير مستعدين للصدام مع ادارة ترامب بخصوص البناء في إي 1 وجفعات همتوس، خاصة وأن هذه المناطق لها أهمية استراتيجية لإسرائيل؟
"ليس هناك استعداد للصدام على ذلك. ولكن رئيس الحكومة نجح في احداث تغيير دراماتيكي لدى ترامب بخصوص البناء في القدس".