خارج نطاق التغطية

د. مهند العزة

حقيقة أن الأشخاص ذوي الإعاقة غير حاضرين في الظروف الاعتيادية على أجندة عمل العديد من الجهات المكلفة دستورياً بضمان تمتعهم بحقوقهم وكفالة وصولهم إلى الخدمات على أساس من المساواة مع الآخرين، تجعل من غير المفاجئ غيابهم عن مشهد الأحداث في ظل ظرف استثنائي مثل الذي نعيشه اليوم بسبب جائحة كورونا، هذا الواقع المفروض في هذا الموقف المشهود، على الرغم من كونه لم يخرج عن دائرة التوقعات المبنية على نتائج تحليل الواقع المعاش يومياً من الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم؛ يثير في النفس مرارةً وحزناً لا تذهب بهما شعارات مقولبة يتم ترديدها كلما تساءلنا عن مكان الأشخاص ذوي الإعاقة على أجندة خدمات حالة الطوارئ من مثيل: «هذه فئة غالية وعزيزة على قلوبنا… هم مواطنون ولا يمكن استبعادهم…»، هذه العبارات قد تخرج من شخص صادق ويعنيها، لكن ترجمتها على الأرض لممارسات محسوسة وملموسة، هو ما يفتقده المعنيون وذووهم خصوصاً في هذا الوقت العصيب.
منذ بداية الأزمة، لم نلحظ أي ذكر لما يواجهه الأشخاص ذوو الإعاقة وأسرهم من تحديات ناجمة عن التدابير المتخذة لاحتواء تفشي الوباء خصوصاً ما تعلق بتقييد الحركة والتعليم عن بعد. وجد المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي يجسد آلية الرصد الحكومية وجهة رسم السياسات ومتابعة تنفيذها ومصدر الدعم الفني والمعرفي للجهات التنفيذية وفقاً لأحكام التشريعات ذات العلاقة؛ نفسه مجبراً على التخلي مرحلياً عن هذا الدور لحساب مهام ميدانية مساندة غريبة عليه منصبّة على توفير المساعدات الغذائية والدوائية والتقنية الخاصة بالمعينات والأجهزة المساندة، هذا فضلاً عن مساعدة من يحتاج إلى التنقل للذهاب إلى مستشفى أو بنك أو غيره، ناهيك عن المساعدة في توفير المناهج بأشكال ميسرة للطلاب في مؤسسات التعليم الأساسي والعالي على حد سواء.
في ظل واقع غير متوقع فاجأ الجميع، يجد المجلس الأعلى نفسه ملتزماً أخلاقياً وليس قانونياً بتقديم العديد من الخدمات المتنوعة مباشرةً إلى الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم في هذا الظرف الصعب وجسر الفجوة التي تجلى عمقها السحيق مع بداية أزمة تفشي الوباء وتعمقها وما رافقها من تدابير وإجراءات ضاعفت حجم التحديات التي يواجهها هؤلاء الأشخاص وأسرهم.
أدركت حركة الإعاقة العالمية منذ زمن أهمية شمولية خدمات الطوارئ لمتطلبات وصول وحصول الأشخاص ذوي الإعاقة عليها؛ نظراً لكونهم الأكثر عرضة للخطر في حالات الكوارث الطبيعية والأوبئة والنزاعات المسلحة، الأمر الذي تمخض عن إدراج مادة خاصة بهذه المسألة هي المادة (11) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وجدت صداها في قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الجديد رقم 20 لسنة 2017.
احتاجت العديد من الجهات إلى تذكير مستمر بأن المواطنين المستفيدين من خدماتها يوجد من بينهم أشخاص ذوو إعاقات مختلفة، مما يستدعي أن تكون خطط وبرامج وخدمات هذه الجهات مهيئةً بكل ما من شأنه ضمان استفادة الأشخاص ذوي الإعاقة منها. يثير الاستغراب رد بعض الجهات حينما تطرح عليهم أهمية وضرورة إعطاء أولوية وخصوصية للأشخاص ذوي الإعاقة في ما تقوم به من عمل في هذا الظرف الطارئ، حيث لا يخرج ردها عن تأكيدها بأن خدماتها وبرامجها تستهدف الجميع ولا تستثني أحدا، وكأني بتلك الجهات قد بلغت مبلغ الكمال من حيث الشمولية في التصميم والتقديم، بحيث غدت خدماتها لا تقصي ولا تستبعد كل من يحتاجها.
منذ اللحظة الأولى لإعلان التدابير الخاصة باحتواء الوباء، قرع المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ناقوس الخطر معلناً عن ضرورة الالتفات إلى تضاعف احتمال إصابة الأشخاص ذوي الإعاقة بالفيروس واحتمال تعرضهم لمضاعفات خطيرة في حال الإصابة، وذلك نظراً لطبيعة تفاعلهم مع البيئة المحيطة أو لما يصاحب بعض الإعاقات من أمراض تؤثر على الجهاز التنفسي والمناعي، وفي هذا الصدد، تم التنويه إلى هذه القضايا تفصيلاً من خلال النشرات والأفلام التوعوية والتواصل الرسمي وغير الرسمي مع الجهات والوزارات المعنية كافة.
الخشية كل الخشية أن ما كان في ذيل أولويات الاهتمام والشأن العام بالأمس القريب، بات اليوم خارج نطاق التغطية، بحيث غدا الاتصال به- إذا تم أصلا- غير ممكن ولا متاح.

اضافة اعلان